فصرخ فيه بيومي: لا تخدعنا بما تخدع به الأغبياء، وأقلع عن خداعك، وافهم أن أمري لا يخالف، واحمد الله على أنك في بيتي وإلا ما خرجت سالما.
وقف رفاعة يائسا، فحياهما وانصرف. وقال خنفس: دعه لي.
لكن بيومي قال: للمعتوه محبون كثيرون، ونحن لا نريد مذبحة.
58
خرج رفاعة من بيت بيومي قاصدا بيته. كانت السماء متلفعة بأردية الخريف وفي الجو نسيم معتدل. وازدحمت الحارة حول مقاطف الليمون كأنما تحتفل بموسم التخليل، وترامت الأحاديث والضحكات، على حين اشتبك غلمان في معركة يتقاذفون بالتراب. وتلقى رفاعة تحيات كثيرين وأصابه رشاش تراب، فمضى إلى بيته وهو ينفضه عن كتفه ولاسته. ووجد زكي وعلي وحسين وكريم في انتظاره فتعانقوا كما يتعانقون عند كل لقاء، ثم قص عليهم - وعلى زوجته التي انضمت إلى المجلس - ما دار بينه وبين بيومي وخنفس. تابعوه باهتمام وقلق، فلما فرغ من قصته تجهمت الوجوه. وساءلت ياسمينة نفسها: ترى عم يتمخض هذا الموقف الدقيق؟ وأليس هناك حل يقي الرجل الطيب من الهلاك دون أن يهدد سعادتها؟ وبدا التساؤل في الأعين جميعا، أما رفاعة فأسند رأسه إلى الحائط في شيء من الإعياء. وقالت ياسمينة: لا يجوز الاستهانة بأمر بيومي.
وكان علي أحدهم طبعا فقال: لرفاعة أصدقاء هزموا بطيخة فاختفى من الحارة.
فقالت ياسمينة مقطبة: بطيخة لا بيومي! إذا تحديتم بيومي فقل عليكم السلام!
فالتفت حسين إلى رفاعة قائلا: فلنستمع أولا إلى المعلم!
فقال رفاعة وهو شبه مغمض العينين: لا تفكروا في العراك، فإن الذي يشقى لإسعاد الناس لا يهون عليه سفك دمائهم.
وتهلل وجه ياسمينة. كانت تكره فكرة الترمل خشية أن تحدق بها الأعين، فلا تجد منفذا إلى رجلها الرهيب، وقالت: خير ما تفعل أن ترحم نفسك من ذلك العناء.
Página desconocida