فغض الرجل بصره أمام شفافية قميصها وقال بانكسار: رفاعة عندك؟
فازدادت دهشة وقالت: رفاعة! لمه؟
فعلا الرجل الارتباك؟ فأشارت إلى الداخل وهي تقول: ابحث عنه بنفسك.
لكن الرجل استدار ليذهب فسألته ساخرة: هل أدركه البلوغ اليوم؟
وسمعها تخاطب شخصا في الداخل قائلة: في هذا الزمان الفتى يخشى عليه أكثر من الفتاة.
ووجد عم شافعي عبدة تنتظره في الدهليز، فقالت له: سنذهب معا إلى سوق المقطم.
فصاح الرجل بغضب: الله يتعبه، أهذا جزائي بعد يوم عمل شاق؟!
واستقلا عربة كارو إلى سوق المقطم، وسألا عنه عند جيرانهما الأقدمين، وعند المعارف فلم يعثرا له على أثر. أجل كان يتغيب ساعات في العصاري أو الأصائل في الخلوات أو الجبل، ولكن لا يتصور أحد أن يلبث حتى هذه الساعة من الليل في الخلاء. وعادا إلى الحارة كما ذهبا ولكن على حال من الجزع أشد. ولاكت الألسن اختفاءه وبخاصة بعد أن مضت عليه أيام. صار دعابة في القهوة وبيت ياسمينة وفي حي آل جبل تندر الجميع بفزع والديه. ولعل أم بخاطرها وعم جواد كانا الوحيدين اللذين شاركا والديه في حزنهما. وقال عم جواد: «أين ذهب الفتى؟ ليس هو من أولئك الشبان، لو كان على شاكلتهم ما جزعنا!» وصاح بطيخة مرة وهو سكران: «جدع تايه يا أولاد الحلال»، كأنما ينادي على طفل تائه، فضحكت الحارة وراح الغلمان يرددونها. ومرضت عبدة من الحزن. وعمل شافعي في دكانه بعقل شارد وعينين محمرتين من الأرق. أما زكية زوجة خنفس فقد انقطعت عن زيارة عبدة وتجاهلتها في الطريق. ويوما كان شافعي مكبا على نشر قطعة من الخشب إذ صاحت به ياسمينة وهي عائدة من مشوار: عم شافعي .. انظر.
وجدها تشير إلى نهاية الحارة عند الخلاء، فغادر الدكان والمنشار في يده؛ ليرى ما تشير إليه فرأى ابنه رفاعة يتقدم نحو الربع في استحياء. وترك الرجل المنشار أمام الدكان وهرع نحو ابنه وهو يتفحصه بدهشة، ثم قبض على عضديه هاتفا: رفاعة! أين كنت؟ ألا تدري ما يعني غيابك لنا؟ لأمك المسكينة التي تكاد أن تموت جزعا؟
ولم ينبس الشاب، ووضح للأب هزاله فسأله: هل كنت مريضا؟
Página desconocida