فضحكت دون مبالاة وقالت: بطيخة؛ أصغر فتواتنا دونك في السن، لكنه يستطيع أن يدوخ زفة برمتها، وأنت لا تستطيع أن تركب رجل ترابيزة بمفردك؟!
فقال رفاعة بصوت من يروم إنهاء الكلام: المهم أنها ستعود إليك كأحسن ما يكون.
وتناول الرجل الرابعة من تحت الكنبة، وحمل الترابيزة على كتفه واتجه نحو الباب قائلا: فتك بعافية.
ولما وضعها أمام أبيه في الدكان قال الرجل بامتعاض وهو يتفحص الترابيزة: أقول الحق إني كنت أفضل أن يجيء أول رزق من ناحية أنظف.
فقال رفاعة في سذاجة: ليست قذرة بحال يا أبي، لكنها وحيدة فيما يبدو. - ليس أخطر من امرأة وحيدة! - لعلها في حاجة إلى هداية!
فقال عم شافعي ساخرا: حرفتنا النجارة لا الهداية، هات الغرا.
وعند المساء ذهب عم شافعي ورفاعة إلى قهوة جبل. كان الشاعر جواد متربعا على أريكته يحسو قهوته. وجلس شلضم صاحب القهوة عند المدخل، على حين احتل خنفس مكان الصدارة وسط هالة من المعجبين. وقصد شافعي وابنه إلى الفتوة ليؤديا إليه تحية الخضوع ثم اتخذا مكانا خاليا جنب شلضم. وما لبث أن تناول عم شافعي الجوزة، وقدم لابنه قدح قرفة بالبندق. وبدا جو القهوة ناعسا، تنعقد في سمائه سحب الدخان، وتنتشر في هوائه الساكن روائح المعسل والنعناع والقرنفل. أما الوجوه ذات الشوارب المستنفرة فلاحت شاحبة ثقيلة الأجفان، وتلاقى السعال والنحنحة بالضحكات الغليظة والنكات الفاجرة، وترامى من بطن الحارة هتاف غلمان يترنمون:
يا ولاد حارتنا .. توت توت
انتو نصارى .. ولا يهود
تاكلوا إيه .. ناكل عجوة
Página desconocida