Agustín: Una Introducción Muy Corta
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
فيما يتعلق بالعدالة، كانت مدينة الله متحيزة للفقراء. ولاحظ أوغسطينوس أن أعلى المدافعين صوتا عن الوثنية كانوا عموما مدافعين عن النظام الاجتماعي القديم الذي تودد فيه الفقراء إلى الأغنياء واستغل الأثرياء تابعيهم الذين يعولون عليهم (مدينة الله ). أدرك أوغسطينوس كم كانت الزكاة الخاصة وخزانة الكنيسة بسجلها من الفقراء المعدمين الذين يتناولون يوميا طعامهم من مطعم الفقراء لا تفيان بالغرض؛ فقد كانت أبعاد الفقر أكبر بكثير من سد حاجة المعوزين إلا بالضريبة المعاد توزيعها (مدينة الله).
عندما حاجج مفكر وثني بأن العظة على الجبل يستحيل أن توضع موضع التنفيذ على أرض الواقع دون القضاء على الإمبراطورية، أجابه أوغسطينوس دون خجل بأن القصاص للجروح ليس السبيل لكي يعيش أي مجتمع في سلام بالمرة؛ ولذا فإن مبادئ المسيح لم تكن غير ذات صلة بالمرة بسعادة العالم الدنيوي وطمأنينته؛ فالمجتمع الموسر المهووس بالثروة والسلطة يعاني من مشاعر الخوف والكبر والحسد الشيطانية التي تطارد الأثرياء ثراء فاحشا. ببصيرة مشهودة لما سيحدث في الغرب في غضون جيل من وفاته، أشار أوغسطينوس إلى أن العالم سيكون مكانا أكثر سعادة إذا خلف الإمبراطورية العظيمة المتكبرة عدد من الدول الأصغر حجما (مدينة الله)؛ فمملكة الرب تسع القوطيين والرومان على حد سواء.
شكل 9-3: تمثال ضخم لرأس الإمبراطور قسطنطين العظيم من كاتدرائية ماكسينتيوس. قصر الأمناء، روما.
أغضبت لغة أوغسطينوس الإمبراطوريين الوطنيين؛ فقد كان على دراية بأن الإمبراطوريات تقوم وتضمحل. ولم يعتقد أن الإمبراطورية الرومانية مكتوب لها الهلاك، كما زعم بعض المتشائمين المعاصرين له. ستسقط روما وحسب إذا سقط الرومان. لعن الناس العصور التي يعيشون فيها، «ولكن طيب العصور أو سوءها أمر يعتمد على الجانب الأخلاقي للفرد ومدى طيب الحياة الاجتماعية، وهو مرهون بنا شخصيا» (العظات). ولاحظ أوغسطينوس أن كل جيل يعتقد أن زمانه بشع دون غيره من الأزمان (العظات)، وأن الأخلاق والعقيدة لم يتدنيا قط كما تدنيا في جيله، ولم تكن القيم المدنية أكثر عرضة للخطر كما كانت في عصره. وظن أوغسطينوس أن واجبه أن يهاجم الجبرية، وأن يستنهض الناس ليستشعروا بالمسئولية إذا سارت الأمور على غير ما يرام؛ فمن الممكن أن يكون لهم رأي فيما سيحدث في المستقبل.
لم يعرف أوغسطينوس «السلام» الذي سعت إليه الكنيسة والإمبراطورية على حد سواء بلغة سياسية أو مدنية فحسب وكأنه كان نتاجا لحل وسط هش أو عابر في الصراع الأبدي من أجل السلطة. سلم أوغسطينوس بأن الحكومة القوية فحسب يمكنها ضمان السلام للناس وتمكينهم من العيش دون خوف من الاضطرابات الاجتماعية، وتعامل مع القانون الروماني - الذي كان ملما به إلى حد كبير - باحترام شديد، باعتباره لا غنى عنه لتجانس المجتمع. ولا ينبغي على المرء مثلا أن يجعل من نفسه قاضيا على الناس وكأن القانون ملك يمينه إذ يواجه قاطع طريق. إن القانون والحكومة ضروريان؛ نظرا لطباع التشوه والجشع والفساد المناوئ للمجتمع الموجودة في القلب البشري. وفي الوقت نفسه، فإن هذا الفساد يتعمق بشدة لدرجة تحول دون فرض حالة من السلم دون العناية الإلهية الشافية. وأساس السلم عدالة تعطي كل ذي حق حقه. والسلم الحقيقي والعدالة الحقة يتجاوزان هذا العالم على حاله وعلى النحو الذي سيئول إليه، وينتميان إلى مستوى أعلى لغاية الرب. ومن المعروف أن عدد المواطنين الذين تمس العناية الإلهية حياتهم لا يتجاوز أقلية قليلة جدا، لكن هذه الأقلية يمكن أن تكون ذات أهمية عظيمة. لقد فهم فهما وافيا أن الحكومة أكثر فعالية في قمع الرذائل من التشجيع على الفضائل. كان لدى الحكام مسئولية جسيمة تقضي بتوفير الأمن والنظام العام والراحة الفعلية والرخاء، وربما كذلك تسلية الناس والتسرية عنهم. لكن هذه المسئوليات لم تكن تخلو من مسئولية عن الفضيلة المدنية. وإذا كان الحاكم أو القاضي مسيحيا، فعليه واجب ديني وعام بأن يدعم الخير والحق الذي هو معني بنشرهما.
لم يكتب أوغسطينوس قط عن المشكلات السياسة دون وعي منه بأن النظام يجب أن يترسخ على فرض أن الجشع البشري سيؤدي إلى اضطرابات واسعة النظام ما لم تكن هناك قيود وعقوبات. ومع ذلك فقد كان يعتقد أن العالم ينتمي إلى الرب؛ وعالمه لم يكن وحشيا كعالم توماس هوبز، واستطاع أن يتكلم عن الحكومة والتشريع الرشيد باعتبارهما معتمدين في سلطتهما لا على القوة وحسب، بل وعلى إدراك امتلاكهما لأساس أخلاقي، ومن ثم لمسحة أو صورة للعدالة الحقة، ول «قانون أزلي». لقد كانت الحكومة بالنسبة إليه تجسيدا لمبدأ النظام المرتبط بالعناية الإلهية والمفروض على القوى التدميرية التي أطلق لها العنان بفعل سقوط آدم. وفي هذا السياق، قد لا يبطل النظام كل ما هو خطأ بقدر ما يطوع الشر لأغراض حميدة غير مقصودة. ومثال على ذلك الرق والممتلكات الخاصة.
ربما يساء استغلال هيمنة شخص على آخر، لكن هذه الهيمنة أهون الضررين؛ حيث إن البديل هو الفوضى والانعزالية. كره أوغسطينوس تجارة الرقيق، ومتى سنحت له الفرصة، كان يستغل خزانة الكنيسة لتحرير العبيد المضطهدين من الأسر. ذات مرة، اتخذ أهله إجراء مباشرا وبادروا بتحرير عبيد من سفينة راسية بميناء هيبو، واستخدمت الخزانة لتعويض المالكين المتضررين. كان من الصعب منع الآباء الفقراء فقرا مدقعا من بيع أبنائهم. وحار أوغسطينوس ذات مرة من مستأجر باع زوجته، وعندما ناقشه أوغسطينوس، أعلن الرجل أنه يفضل المال على زوجته. ورغم ذلك، لم تكن العبودية شرا محضا متى كان العبيد يعيشون في بيوت رحبة، ويرتدون أحسن الثياب، ويتناولون أطايب الطعام، ويأوون إلى بيوت أفضل من تلك التي يعيش فيها العاملون بالسخرة الذين كانوا يمثلون غالبية القوى العاملة.
كان النظام مهما جدا لدرجة أن الإمبراطور الشرعي - حتى لو كان ظالما - له السمع والطاعة. وكان تابع المسيح يخضع جسده لخدمة القيصر وعقله وروحه للرب. ورغم أنه قد يشارك في الحياة السياسية «كمسافر في بلد غريب» (مدينة الله)، إذا أهلته مواهبه لها، فلا ينبغي أن تكون هذه المشاركة إذعانا سلبيا بل واجبا إيجابيا. إن المجتمع بحاجة إلى أشخاص يتحلون بالنزاهة في الخدمة العامة، وكذلك في مجال التجارة؛ أولئك الذين يتمتعون بالشجاعة ويقفون بالمرصاد للرشوة وتهديدات أصحاب النفوذ والأثرياء. توضح ملاحظات أوغسطينوس أن هؤلاء نادرون.
بالنسبة إلى الضمير المسيحي، كانت العدالة الجنائية والخدمة العسكرية تمثلان أكثر القرارات الأخلاقية إشكالا. شارك أوغسطينوس وجهة النظر التي كادت تكون عالمية للكنيسة الأولى، والتي مفادها أن التعذيب والعقوبة القصوى غير مقبولين في دولة مستقلة تستند إلى تقييم مسيحي للإنسان. ويجب على المرء أن يقول إن وجهة النظر هذه «كادت تكون عالمية » ما دام هناك أيضا رأي - يدعمه رجل قانون مسيحي معتكف مجهول الهوية في القرن الرابع - مفاده أن القانون الجنائي للإمبراطورية المسيحية ينبغي أن يجسد مبدأ القصاص الخاص بالعهد القديم، وأن يكون أكثر حزما من القانون الروماني التقليدي؛ في العصور الوسطى أمسى كتابه الصغير متداولا على نطاق واسع جدا. كان أوغسطينوس معارضا بشدة للتعذيب الذي كان أمرا اعتياديا في الإجراءات الجنائية، ولا سيما محاكمات الخيانة العظمى؛ فقد كان التعذيب يحمل الأبرياء على الاعتراف بأفعال لم يقترفوها ويشوه أجسادهم في نهاية المطاف. وحكم أوغسطينوس أن العقوبة القصوى لا تتوافق مع نية الإصلاح، وعلاوة على ذلك، أحيانا ما ترتكب الأخطاء. ولكن، فيما يتعلق بالخدمة العسكرية، كان أوغسطينوس أقل تشددا؛ فقد سلم بأنه دفاعا عن النفس أو استعادة للممتلكات المسروقة، يمكن أن تكون القوة مشروعة. ألم يحاجج شيشرون نفسه بأن الحروب لا ينبغي أن تشن إلا دفاعا عن النفس أو الشرف؟ بالنسبة إلى أوغسطينوس، لم تكن الحرب وسيلة مناسبة لتسوية النزاعات، وشارك الأمل بأن يتم تقويض الحروب في العصور المسيحية. لكنه أدرك أن العدوان الغاشم الذي تعين مقاومته لأجل القيم التي يجلها المسيحيون إجلالا عظيما سيستمر؛ فعندما أغار رجال قبائل الصحراء الغربية على المستوطنات الرومانية، راسل القائد العسكري المسيحي ناصحا إياه بأن يعتبر قمع المغيرين واجبا دينيا.
ومع ذلك، آمن أوغسطينوس بأن تعظيم ضبط النفس فيما يتعلق بالأعمال العدائية ضرورة دينية وسياسية. إن الطبيعة الإنسانية التي يقتضيها الدين كانت أيضا صحيحة سياسيا. وعلى أساس أن الحروب قد لا يكون هناك مفر منها أحيانا، فإنها يجب أن تشن باحترام للإنسانية، فلا ينتهي الحال بالخصم إلى الشعور بالذل والامتعاض بما يغرس بذور ثقافة الصراع. ولا ينبغي بأي حال من الأحوال قتل الأسرى (كما كانت العادة في الحروب القديمة). ولكن، إذا وجد جندي ما نفسه يشارك في حرب تبدو عدالتها بالنسبة إليه موضع شك، فكفاه إراحة لضميره أنه كان يطيع الأوامر لا أكثر. لكن المبادئ العامة للقانون الجنائي الداخلي لإمبراطورية عادلة كانت تنطبق بالمثل على الصراعات بين الدول.
Página desconocida