Agustín: Una Introducción Muy Corta
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
الفصل الثامن
الخلق والثالوث
قرابة الفترة التي أنهى فيها أوغسطينوس «الاعترافات»، كان ذهنه منصرفا بالفعل، خلال الفترات الفاصلة ما بين انشغاله بالشئون الدوناتية، إلى موضوعين آخرين شغلا لحظات فراغه المحدودة على مدار الخمسة عشر عاما التالية وما بعدها. كان الموضوع الأول تفسير الفصول الثلاثة الأولى من سفر التكوين، والثاني مذهب التثليث. وكان الموضوعان مسألتين ينزع المفكرون الوثنيون كثيرا إلى السخرية منهما. بدا سفر التكوين الأول كرواية لخلق الرب للعالم أنه يوحي بأن الخلق حدث مرة واحدة وبشكل لحظي. واعتبر الفلاسفة (أو على الأقل بعضهم) أن الخلق عملية بذل فيها الفنان الإلهي قصارى جهده مستعينا بالمادة العديمة الشكل. وبدت قصة آدم وحواء والحية أسطورة ساذجة. وتقبل أغلب الأفلاطونيين لغة «الخلق» في الحديث عن علاقة الرب بالكون، واستخدم أفلاطون الكلمة نفسها في محاورة «طيماوس». لكنهم ظنوا أن هذه اللغة المجازية تعبر عن تعويل سرمدي؛ في الواقع الكون كان سرمديا، ولم يكن له بداية ولا نهاية.
ألف أوغسطينوس خمسة شروحات لسفر التكوين، من ذلك «الاعترافات 11-12» و«مدينة الله 11». وكان أول شرح له تعليقا مجازيا تفنيدا لنقد المانوية. لكن المجاز كان عرضة لتهمة كونه أداة سفسطائية لتفادي الصعوبات المحرجة. شرع أوغسطينوس في كتابة تعليق حرفي، لكنه لم يكمله قط. وقرابة عام 401، بدأ يخط تعليقا ضخما على المعنى الحرفي للكتاب الذي يصنف ضمن أعماله الرئيسية. وتنطلق الكتب الاثني عشر ل «شرح المعنى الحرفي للخروج» من الافتراض بأنه إن لم يكن هنا يعامل سفر الخروج 1-3 كاستعارة عن الكنيسة والأسرار المقدسة والخطيئة والنعمة الإلهية، فلم يكن له أن يعتبر افتتاحية سفر التكوين جزءا من «علم الخلق». كان الأمر محرجا إذ تكلم المسيحيون وكأن الإنجيل يقدم تفسيرا بديلا للعالم كمنافس لعالم علماء الفلك وغيرهم من علماء الطبيعة. ولقد جعلهم ذلك يظهرون بمظهر السذج وجعل عقيدتهم تبدو سخيفة، وطمس الأمور المهمة حقا التي لدى المسيحيين الكثير ليقولوه بشأنها.
تقبل جاليليو بصدر رحب تعليقات أوغسطينوس على هذه المسألة. ويشي تعليق الأخير باهتمام شديد بمسائل نصنفها نحن على أنها علمية، لكنه في الوقت نفسه يرفض أن يفرض قرارا على المسائل الغامضة فحسب استنادا إلى أن النص المقدس كان ينظر إليه البعض على اعتبار أنه كتيب للعلوم الطبيعية.
ولا يعني «الحرفي» بحسب فهم أوغسطينوس أن المؤلف المقدس كان يقص رواية واقعية. ومع ذلك، لم يعن سفر التكوين أن العالم خلق فعليا. إن وجود البشرية ووجود الكون يعولان على إرادة الرب وخيريته. ومن هذا المنطلق لمعنى كلمة «حرفي»، فهم أوغسطينوس سفر التكوين على اعتبار أنه يقص علينا الحال، لا على اعتبار أنه وسيلة معقدة لمناقشة سرمدية العالم والخلود الفطري للروح. ولم يفترض أن الكلام عن وجود الرب كعلة أولى طريقة للقول بأن الكون وجد في بداية فترة متناهية من الزمن. وبينما ظن أغلب الأفلاطونيين أن الخالق ينبغي أن يفهم قياسا على الفنان أو الحرفي الذي يبذل قصارى جهده في تطويع مادة الطين المستعصية، أكد علماء اللاهوت المسيحيين في القرن الثاني على أن الخالق أيضا صنع المادة والعالم «من عدم». وساعد تعليق فرفوريوس على محاورة «طيماوس» لأفلاطون في هذه الجزئية؛ فقد قال فرفوريوس في تعليقه إنه في حين أن المادة في ترتيب الخلق سابقة للشكل الذي منحها إياه الخالق، لم تكن هناك لحظة في مسار الزمن لم يكن لها شكل محدد. تبنى أوغسطينوس هذه اللغة وجعلها لغته الخاصة. وكما لاحظ فرفوريوس نفسه، لبت أكثر متطلبات التوحيد صرامة.
أوحت فكرة فعل الخلق اللحظي للفلاسفة بضرب من الحيل الخارقة للعادة. ورأى أوغسطينوس أن العالم خاض عملية تطور، فلم يخلق كل شيء في العالم الآن هكذا في البداية. وظن أن الرب خلق «مبادئ أصيلة» أو أسبابا علية لكل شيء وجد بعد ذلك، وهذه اللغة سمحت له بتصور أنواع جديدة تظهر لاحقا. ربما أتاحت له اللغة الأفلاطونية المستخدمة لوصف التطور النشوئي للرتب في هرمية الوجود هنا قائمة مفردات، وربما أيضا أثرت فيه لغة أفلوطين إذ تكلم عن «الانبثاق». من البديهيات الأفلاطونية أنه من المحتمل أن كل المعلولات متضمنة في عللها. ولم يعتقد أوغسطينوس أن المصادفة أو العشوائية لعبت دورا في النظام أو التصميم المذهل للعالم. «المصادفة» كلمة نستخدمها عندما يصادف أننا لا نعرف العلة (ردا على الأكاديميين). وما من شيء يحدث دون علة ما (مدينة الله). كان أوغسطينوس واثقا بعقلانية الكون؛ ولم تمثل بالنسبة إليه شذوذات واضحة سوى نزوات الاختيارات الحرة.
يشيع عن أوغسطينوس القدح في الإناث، ويمكن دعم هذا الاعتقاد باقتباسات انتقائية، لكن بعض الألفاظ التي جاءت على لسانه إيجابية جدا؛ فقد عارض أوغسطينوس البيان الحالي لكلمات القديس بولس (الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس) التي بحسبها خلق الرب الذكر، لا الأنثى، على صورته. وآمن بأن الرجال والنساء يختلفون جسدا وليس روحا أو من حيث الملكات العقلية. من ناحية أخرى، اعتبر أنه من الواضح والثابت أن الوظيفة الأساسية للمرأة بيولوجية في المقام الأول؛ إذ «لو كان آدم بحاجة إلى رفيق بمعنى شريك في حوار ذكي بحق ورفقة طيبة، لمنحه الرب حقا رجلا آخر؛ وإذ منحه حواء فقد كانت نيته ضمان استمرار الجنس البشري» (تعليق حرفي على سفر التكوين). وافترض أوغسطينوس أن دور المرأة في مؤسسة الزواج أن تكون خادمة وداعمة، شأنها شأن مونيكا التي تحملت رفيقها الخائن المتقلب المزاج وهدأت من روعه. إن شركاء الحياة يجب أن «يسيروا جنبا إلى جنب» (حول الزواج الصالح
De bono conjugali )، وربما كان شاعرا بالأسى على العادة التي ما زالت متبعة في مناطق من عالمنا المعاصر؛ حيث يمشي الزوج في المقدمة وزوجته من خلفه تحمل الأطفال والأمتعة. ورغم أن الزوج والزوجة لم يكونا متكافئين في الحياة العامة، فقد كانا متساويين في الحقوق الزوجية (ردا على فاوست؛ أسئلة عن التوراة ).
ويبين عدد من مقولات أوغسطينوس الأمر الاعتيادي الذي مفاده أن التوجهات العامة عن النساء كثيرا ما تحددها التوجهات السائدة نحو الجنسانية. والرجل الذي دان بالولاء في فترة من الفترات بالمانويين الصوفيين وعاش في الوقت نفسه مع امرأة تلبي له احتياجاته الجنسية من المتوقع أن يكون متضارب الأقوال. لقد أجبره اعتناقه للمسيحية الكاثوليكية على أن يتبنى تقييما إيجابيا للجسد ربما تعارض مع حقيقة أن نبذ الجنس استقر في قلب قراره. ثمة عظة تعلن عن شرعية الاستمتاع بعجائب الطبيعة والموسيقى والأزهار والروائح وأطايب الطعام «والعناق بين الأزواج» (العظات). وفي «مدينة الله» سارع أوغسطينوس بإنكار فكرة تبناها البعض، مفادها أنه في الآخرة سيوحد البعث أجساد الرجال والنساء في أجساد ذكورية، وكأن الأنوثة كانت خطأ مؤسفا سقط فيه الخالق. ومن ناحية أخرى، هاب أوغسطينوس الجنسانية (وخاصة فيما يتعلق بذاته) انطلاقا من كونها تخرج عن السيطرة العقلانية للإنسان بسهولة. وحتى الأخوات اللائي كن يخدمن في دير هيبو حذرن من أن النساء يمكن أن يفقدن الرجال صوابهم بلا وعي ولا قصد منهن بنظرة واحدة فحسب (الرسائل).
Página desconocida