Agustín: Una Introducción Muy Corta
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
ورغم ذلك، لم يخب عزمه التقشفي على الإطلاق. وكان الذين يصبحون رهبانا وراهبات ثم يتركون الدير طمعا في الحياة التي تنتظرهم خلف جدران الدير يمثلون خيبة أمل كبيرة بالنسبة إليه. وظن أن الرهبان الأسبقين مرشحون غير ملائمين بالمرة لجميع الدرجات الكهنوتية المقدسة. ثمة أرملة أقسمت أنها إن شفيت ابنتها من السقم الذي ألم بها، فسترتدي الفتاة الحجاب وتمسي راهبة. وعندما شفاها الرب، سألت الأم إن كان من الممكن أن تتحلل الفتاة من أي واجب، وإن كان العهد الذي أخذته على نفسها بالتزام الترمل يمكن أن يقبل بدلا من العهد الخاص بابنتها. وظن أوغسطينوس أنه يجب أن تبر بعهدها؛ أي إن واجب الأم أن تقنع ابنتها بأن تصبح راهبة؛ وذلك لأنه إذا لم تفعل الفتاة، ورغم أنها لن تقصي نفسها بذلك عن مملكة السماء، فإن ثوابها في الحياة الآخرة لا شك سينقص.
اعتبر أوغسطينوس أن توبة القلب جزء من النمط المنتظم للحياة الروحانية الأصيلة كلها. وينبغي أن يقبل المؤمنون الاقتصاد الشديد كشكل من أشكال الانضباط الذاتي (لم يتكلم أوغسطينوس عن مظاهر التقشف تلك على اعتبار أنها مفروضة من قبل رجال الدين). لقد كان التدخل من قبل السلطة ضروريا في حالة الآثام الجسيمة جدا كالزنا والقتل وتدنيس المقدسات. ومن بين تلك الآثام، كان الزنا المشكلة الأكثر شيوعا على الإطلاق في مجتمعه، وكان يقتضي حرمانا من القربان المقدس وأن يحتل المذنب مقعده في جزء خاص من مبنى الكنيسة مخصص للتائبين. وكان غفران الخطايا والتغاضي عنها هبة المسيح وحده، بحسب اعتقاد أوغسطينوس (الثالوث)؛ فالمسيح هو الذي أوكل إلى كنيسته سلطة المفاتيح التي بموجبها، شريطة الإيمان، يمكن أن يغفر للمؤمنين (العقيدة المسيحية). وكان التائبون يقبلون بهيبة في جمعة الآلام في حضرة المؤمنين المجتمعين، واستعدادا لقربان عيد الفصح. ويذكر أوغسطينوس الإرشاد الرعوي وجلسات التعنيف الخاصة للآثمين، لكنه لا يذكر أي نظام متواتر للاعتراف السري للكاهن والغفران الخاص الذي لم يكن ممارسة رعوية على أيامه. وجرى العرف على الترحيب بالآثمين المغفور لهم في القداس بالمسح على رءوسهم بأيدي القساوسة، وقد يكون صف التائبين في جمعة الآلام «طويلا جدا» (العظات). لكن هذه كانت حالات خاصة من الانتكاسات الخطيرة.
أعلن أوغسطينوس ذات مرة (مدينة الله) أنه حتى أفضل المؤمنين وأكثرهم قداسة يعرف أنه في هذه الحياة «قوام استقامتنا يتمثل في غفران الخطايا أكثر منه في كمال الفضائل.» والمؤمن المعمد منصف وآثم في الوقت نفسه (شروحات المزامير؛ الرسائل). بالنسبة إلى أوغسطينوس، عزز اعتراف المؤمن بحاجته المستمرة للغفران والعفو إحساسه القوي بعدمية المخلوق أمام سمو الله. وهنا استخدام أسلوب يتفوق على أسلوب الراهب مارتن لوثر.
يتسق مع هذا النموذج الروحاني توقه التقشفي لتطهير الكنيسة التجريبية من تنازلاتها للعالم. من بين أكثر ما نطق به أوغسطينوس تحذيرا في عظاته ورسائله ما وجهه إلى رجال الدين الجانحين أو الضعفاء الذين تلاعبوا بحسابات خزانة الكنيسة، أو الذين وجدوا أن واجب ضيافتهم يكشف فيهم عن ضعف مهلك أمام الخمر، أو الذين يعانقون النساء البائسات روحانيا عناقا مواسيا ولم تتوقف علاقتهم بهن عند هذا الحد. لقد تسبب له واجب التعنيف والتقريع في الكثير من الألم والإنهاك الداخليين. لكنه كان على يقين من أن الذين ينهالون بالثناء على أسقف ما لأنه يتساهل معهم يمكن أن يكونوا خبثاء (شروحات المزامير). فاتفاق الآخرين على سعة أفقك كان دليلا دامغا على خيانة رسالتك. تكلم أوغسطينوس بنبرة مترددة عن العلمانية داخل مجتمع الكنيسة؛ فمن ناحية، أقر عن طيب خاطر بأنه ما من مؤمن ينال الكمال في هذه الحياة الدنيا، وأن كثيرا من الناس يحيق بهم الضعف والإخفاقات؛ ومن ناحية أخرى، عندما تكلم عن «المسيحيين اسما» الذين ربما عمدوا لكنهم لم يفتحوا الباب لمنة الله ونعمته في حياتهم، قال أوغسطينوس إنهم ليسوا مؤمنين بحق، ولا ينبغي أن يعتبروا ضمن نخبة الرب وصفوته. وبالمثل، اشتمل منصب الأسقف على رجال دنيويين ومتوسطي الأداء، ولديهم طموحات لمكانة دنيوية وشرف زائل، لكنهم يشبهون عشب الزوان الذي يترك لحين حصاده، وحينها يحرق باعتباره عشبا مؤذيا وغير ذي قيمة.
وإذ كرس أوغسطينوس نفسه بلا قيد ولا شرط لحياة التقشف، فقد اشتاق إلى نشر تلك الحياة في شتى أرجاء الكنائس الأفريقية. لقد أراد ألا يعيش رجال الدين بالمدينة مع عائلاتهم، بل معا في بيت للعبادة. وبطبيعة الحال، لم يتوقع أن يتحول كل المسيحيين إلى رهبان. لكنه لا شك طلب إلى مسيحيين «عاديين» أن يحيوا حياة منضبطة انضباطا شديدا شيمتها الزهد الشديد. لقد ترك المسيح تعاليم ووصايا ضرورية لكل التابعين، لكنها أيضا كانت موجودة في «مشورات» الأناجيل أو توصياتها التي أعطيت للذين ينشدون الكمال ويطمحون لأشياء أسمى. كان المبشرون في الكنائس الأفريقية، وربما في أماكن أخرى، متقشفين عزابا يعيشون في أبسط ظروف حياتية على الإطلاق. وفي عبارة مذهلة، يتكلم أوغسطينوس عنهم واصفا إياهم ب «نيران القداسة والمجد» (الاعترافات، الكتاب الثالث عشر). لكنه كان معارضا بشدة لنزعة معاصرة لدى الراهبين تميل بهم للظن بأن لديهم نداء باطنيا آخر منفصلا تماما بخلاف الكنيسة ككل، وكأنهم يلبون نداء ليخرجوا من الكنيسة لا من العالم الدنيوي. ولقد شعر بقوة أنهم لا ينبغي قط أن يرفضوا دعوة خدمة الأساقفة أو قساوسة الأبرشية حيثما كان هذا هو الدور الذي تريد الكنيسة أن يلعبوه. وكان للراهبات دور اجتماعي خاص فيما يختص برعاية المرضى وإنقاذ اللقطاء. في القدم، كان التخلي عن الأطفال مصيرا شائعا تتعرض له الصغيرات الرضع تحديدا. لكن، كان هناك أيضا الكثير من العائلات الفقيرة فقرا مدقعا، التي كان بالنسبة إليها ميلاد أي طفل آخر بعد الطفلين أو الثلاثة الأوائل بمنزلة كارثة اقتصادية، ولم يكونوا على يقين من قدرتهم على بيع الأطفال الذين يعجزون عن إطعامهم لتجار الرقيق. كان الأساقفة يتعهدون اللقطاء والأيتام بالرعاية، وكانت خزانة الكنيسة خدمة الرعاية الوحيدة المتاحة لهم، رغم أنها لم تكن كافية، فكانت بذلك مصدر أرق دائم لأوغسطينوس، لكنها أفضل من لا شيء على أقل تقدير. وكان لأخواته دور عملي حيوي يلعبنه.
وتدلل على التوقعات المتنامية خلال النصف الثاني من القرن الرابع بأن رجال الدين لن يتزوجوا أو على الأقل لن يسكنوا مع زوجاتهم؛ نصوص عديدة في كتابات أوغسطينوس. كانت الغاية تقشفية في الأساس، لكنها كانت نوعا ما مرتبطة بالسلطة العليا التي ارتبطت في القدم بمثل هذا النوع من نكران الذات.
لقد جعلت حداثة المجتمع الرهباني كمكون مؤسسي في المنظومة الكاثوليكية الأفريقية والخوف من ماضي أوغسطينوس كثيرين يشكون في أنه يروج لمانوية مستترة، وهو الاتهام الذي واجهه أوغسطينوس طوال حياته في عدة أشكال. خلال السنوات الخمس أو ربما الست التي عمل فيها كاهنا في هيبو، كانت أعماله الأدبية الأساسية مكرسة للجدل المعارض للمانوية. فقد انطلق يدافع أولا عن سلطة سفر التكوين، ومن بعده بادر بالذب عن سلطة الكنيسة.
أثار المانويون أيضا أسئلة أخلاقية حساسة، فقد اشتكوا من مبدأ تعدد الزوجات والأخلاق الانتقامية للبطاركة الإسرائيليين. وردا عليهم، سلم أوغسطينوس بأنه في أزمنة وأمكنة مختلفة يمكن أن يختلف معيار ما هو ملائم أخلاقيا. والمبادئ الأخلاقية لا يجب أن تكون بضرورة الحال مطلقة كما يفترض الناس. كانت القاعدة الذهبية (لا تعامل الآخرين بما تكره أن يعاملك الآخرون به) هي القاعدة المطلقة، وتطبيقها في ظروف مختلفة قد يؤدي إلى إجابات متباينة. علاوة على ذلك، فإن ما يضفي قيمة على الفعل الأخلاقي هو الدافع المستند إليه، والتبعات الأخلاقية للفعل. إن الفعل باعتباره حدثا خارجيا وصريحا قد يكون محايدا بحد ذاته؛ فالجماع فعل رائع وصحيح، بل وواجب إيجابي حقا في سياق معين، بينما نراه خطية في سياق آخر. ومع ذلك، سلم أوغسطينوس بأنه يمكن أن يتخيل ظروفا استثنائية ونادرة جدا قد تغالي فيها كذلك زوجة شبيهة بشخصية فيديليو في أوبرا بتهوفن، بدافع إنقاذ زوجها الحبيب من الموت، فتضاجع الشخص الذي يضطهد زوجها، فتكون بذلك أقدمت على فعل ينم عن الإخلاص له، وتعاملت معه كوسيلة لإطلاق سراحه. كان القانون الروماني والرأي العام والإنجيل كلهم ضد فكرة ارتداء الرجال لملابس نسائية، ولكن لم يكن أحد ليعترض على ارتدائها على سبيل التخفي للمرور من خطوط العدو، أو لمجرد أن الأحوال المناخية أمست فجأة باردة برودة لاذعة وما من ألبسة أخرى متاحة. يرتبط هذا الموقف بالحكم على صحة الأشياء. وبطبيعة الحال، لم يفترض أوغسطينوس أن المرء يستطيع أن يضع قانونا أخلاقيا عمليا على أساس استثنائي وغير تقليدي.
لقد بدا له أن التمايز ما بين الوسائل والغايات ذو أهمية أساسية؛ فالظلم ينشأ ما إن تعامل الوسائل على أنها غايات، والعكس صحيح (ردا على فاوست). واستطاع أن يطبق هذا التمايز على مفهومه للزمان والتاريخ كسلم ينبغي أن نسعى به إلى الارتقاء للخلود. والسعي وراء الخيرات الزائلة وتجاهل الخير السرمدي، بل والأدهى حتى معاملة الخير السرمدي كأداة لنيل الغاية الدنيوية، فعل غير أخلاقي. وحتى رفقاء الإنسان قد يصبحون مجرد أدوات لتطويره لذاته إذا لم يحترموا على اعتبار أنهم يستحقون «الحب في الله». وغاية الإنسان المطلقة التمتع بالرب للأبد؛ ومن ثم، ترجم أوغسطينوس التمايز ما بين الغايات والوسائل إلى «متعة ومنفعة».
في أخلاقيات أوغسطينوس وعلم النفس لديه كانت الإرادة مفهوما وفكرة محورية. ومن الصعب تعليل عملياتها حقا. ولكن من دون قرار الإرادة أو موافقتها على توجيه الانتباه لمادة بعينها، لا يستطيع المرء أن يدرك شيئا بفهم واستيعاب ولا يحصل أي معرفة علمية ولا يصل إلى مرتبة الإيمان. تكمن الإرادة في جوهر شخصية الفرد. وتتوجه إلى ما تحبه أيا كان. والحب أشبه بقوة جذب تجذب الروح إلى المكان الذي تجنح إليه أيا كان (الاعترافات، الكتاب الثالث عشر). والحب في ماهيته، بحث واستمتاع (العظات). ولذلك، يتعلق السؤال الأخلاقي الموجه للبشرية بموضوع حبنا، أو، بتعبير آخر، الأشياء ذات الأهمية القصوى سواء بالنسبة إلى الفرد أو بالنسبة إلى المجتمع. وتتعلق أغلب انتقادات أوغسطينوس الأخلاقية الموجهة ضد المجتمع الروماني وحكومته إما بالتشريعات الأكثر عنفا للقانون الجنائي وإما بالطريقة التي ينفق بها الناس أموالهم.
Página desconocida