Agustín: Una Introducción Muy Corta
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
لكن الاهتمام الكبير برؤيا يوحنا لم يكن قاصرا على المنشقين الدوناتيين، بل كان شائعا بين المسيحيين الأفارقة عموما.
الفصل الخامس
المشوار المهني
في المجتمع العلماني في طاغست، اكتشف أوغسطينوس أنه عاجز عن حل مشكلاته. وفي مرحلة ما، فكر جديا في الانسحاب إلى معتزل مهجور، لكن هذا لم يحدث قط؛ ففي أوائل عام 391، وخلال زيارة لميناء هيبو ريجيوس على بعد 45 ميلا من طاغست، رسم كاهنا بأبرشية كاثوليكية (وقتها كان أغلب المسيحيين في هيبو محسوبين على الطائفة الدوناتية). وانتهت جهوده التأملية على حين غرة، لكنه لم يستطع أن يرفض. جلس وإنجيله في يده ليجهز نفسه لنداء باطني شعر أنه غير مؤهل له من حيث المزاج والهوى والحالة الصحية. لقد أراد أن يكون ناسكا، لا قسا مدنيا منشغلا ومنزعجا بسبب أشخاص غير عقلانيين. سمح له القسيس العجوز الذي رسمه بحل وسط؛ ففي بستان إلى جوار كنيسة هيبو، بنى لنفسه ديرا. وهناك جاء نفر قليل من رجال الدين المسنين والمتقاعدين ليعيشوا معه، ولكن في الأساس تكون المجتمع من إخوان علمانيين قاموا بشئون البيت؛ إما بالاضطلاع بأعمال يدوية وإما بالعمل ككتبة لصالح التجار على الضفة. أنشد إخوان هيبو، الذين كانوا أقل ثقافة من الطائفة العلمانية في طاغست التي انحلت عراها فور رحيل أوغسطينوس؛ سفر المزامير والترانيم الإنجيلية (كانت الأناشيد المؤلفة من ألفاظ ليست من الكتاب المقدس لا يجاز استخدامها إلا فيما ندر في الطقوس الكاثوليكية في أفريقيا، فقد كانت عادة دوناتية). ورغم أن الأمر لم يكن يتطلب منهم أن يقطعوا على أنفسهم عهدا بالفاقة، فقد استسلموا جميعا للحاجة فور دخولهم البيت؛ فالفاقة بالنسبة إلى أغلبهم كانت تمثل أمنا اقتصاديا أعظم مما يمكن أن يحصلوا عليه خارج تلك الجدران. كان الخمر مسموحا به للمرضى، واللحم يقدم كلما جاء زائرون. وفور دخولهم كانوا يرتدون رسميا زيا رهبانيا كما هي العادة، ويعتمرون قبعة تجعل من الصعب تمييزهم في الشارع. وكان عليهم أن يعتادوا على رثاء الجماهير لحالهم؛ تلك الجماهير التي كانت عائدة من قاعدة الموسيقى أو من المسرح المدرج. أكد أوغسطينوس على جوهر المادة في ملاحظته أن حياتهم لا يمكن أن تكون ذات أهمية إلا في ضوء القيم الأخروية (العظات). «إن الذي لا يفكر في الحياة الآخرة، والذي يعتنق المسيحية لأي سبب آخر بخلاف الوعود المطلقة للرب ليس مسيحيا بعد» (العظات). وسرعان ما أقيم أيضا دير للراهبات أشرفت عليه أخت أوغسطينوس الأرملة.
اكتشف أوغسطينوس أن الناس جلبوا مشكلاتهم القديمة معهم متى التحقوا بالدير. وسرعان ما أثبتت التجربة أن الذين يعانون من نقائض في شخصياتهم، أو ضعف أمام الخمر ، أو ميل للبخل والجشع ، أو غير ذلك من الخصال السلبية؛ لم يتركوا تلك النقائص وراء ظهورهم فور امتهان مهنتهم المقدسة وإعلانهم عن اعتزام الزهد والتقشف. استدعى ذلك لدى أوغسطينوس الملاحظة المؤسفة أنه في كل مهنة وفي كل صنعة مخادعون (شروحات المزامير). كان ينوي أن يكون ديره معتركا لجنود المسيح المتمركزين في المقدمة، وكثير من رهبانه خرجوا بالفعل لخدمة الأساقفة. لكن دير هيبو كان أيضا مشفى لبعض الحالات غير السوية الصارخة ومصابي الحياة.
وضع أوغسطينوس قاعدة لديره (الرسائل) ما برحت باقية في نسختين مميزتين؛ الأولى نسخة مخصصة للأخوات في دير الراهبات، والثانية نسخة ذكورية لدير الرهبان. بداية من منتصف القرن الحادي عشر، استعين بالنسخة الثانية كأساس لطوائف أوستن أو الشرائع العادية، وهي الدرجة الكهنوتية التي ما زالت مستمرة إلى الآن. والقاعدة موجزة على نحو لافت، وكذلك جديرة بالذكر نظرا لخلوها من التشديد على الدافع التكفيري. وكان نموذجه ل «فقراء المسيح» يتمثل في الهدوء التأملي الممزوج بالتدبر وضبط النفس، ولكن دون كراهية النفس وكبت كل المشاعر الطبيعية، وبعيدا تماما عن المخاطرة بصحة البدن.
شكل 5-1: صورة جوية لأطلال كنيسة القديس أوغسطينوس بمدينة هيبو.
لم تكن قواعد الانضباط تفرض بشكل عارض. لقد سمعنا (مرة واحدة فقط) عن عقوبة جسمانية نزلت بواحد من الرهبان الشباب بعد أن ضبط وهو يتبادل أطراف الحديث مع الراهبات في «ساعة غير ملائمة». كانت رسالة أوغسطينوس أنه ما دام لا توجد لدينا مدينة باقية، فلنسافر بلا أمتعة. ورغم ذلك، فإن نموذجه، كممارسته الشخصية الخاصة (التي لدينا لها وصف من شاهد عيان، وهو كاتب سيرته الذاتية المعاصر له بوسيديوس، الذي عاش معه في هيبو قبل أن يمسي أسقفا للمدينة التالية كالاما)، يتسم ببصمة التقشف الشديد. كان طوال الوقت مشككا في الحواس باعتبارها عائقا أمام ارتقاء الروح إلى الرب، وظن أن المؤمن يجب أن يكون حذرا طوال الوقت من التراخي الغادر. وكثير من الفقرات في أعمال أوغسطينوس تحذر القراء من حقيقة أن الأثر المفسد والمدمر للعادة الأثيمة يبدأ ب «أشياء بسيطة». وفي «الاعترافات» (الكتاب التاسع)، أشار كذلك إلى الطريقة التي اكتسبت بها أمه مونيكا في شبابه عادة احتساء الخمر في قبو العائلة حتى كادت تمسي مدمنة. علاوة على ذلك، فإن إثما واحدا يمكن أن يفضي إلى غيره من الآثام. والمرء يكذب الكذبة الجسيمة ليغطي على هفوة بسيطة. والقاتل الذي يشهد جريمته شخص آخر سيتعين عليه أن يقتل الشاهد أيضا إن أراد ألا يفضح أمره (شروحات المزامير). وحبات الرمل الصغيرة يمكن أن يبلغ وزنها وزن الرصاص (العظات).
لقد انبثقت الحركة والمؤسسات التقشفية في القرن الرابع من واحدة من تلك الأشواق العميقة للطموح البشري التي يسهل وصفها أكثر بكثير من تفسيرها. والمبدأ التقشفي قديم قدم المسيحية (متى 19: 12؛ رسالة إلى أهل كورنثوس). علاوة على ذلك، تحدث فلاسفة جادون من العالم القديم بالإجماع عن الانغماس الذاتي في الشهوات باعتباره مصدرا للبؤس، وكان أبلغهم حديثا على الإطلاق الفيلسوف المتعي النظري أبيقور. وحض الرواقيون بشدة على الحاجة لكبت الانفعالات والرغبة في الثراء والمقامات الرفيعة وكل السلع الزائلة التي يمكن أن يستولي عليها الإنسان من مالكها. في التقليد الأفلاطوني، شجع التباين الشديد ما بين الروح والجسد باعتبارهما ينتميان إلى عالمين مختلفين أصلا على ازدراء الأشياء الدنيوية. كان الأفلاطونيون الجدد الوثنيون بالكاد أقل نزوعا إلى التقشف من معاصريهم المسيحيين، وكان لديهم رجال الدين خاصتهم، وهم أشخاص ملهمون يتمتعون بقوى التمييز الأخلاقي المدعومة ببساطة نظرتهم المقتصدة وبنبذهم منظومة الزواج.
بالمقارنة بأفلوطين وفرفوريوس، تكلم أوغسطينوس بإيجابية أكبر عن فضائل المهن العلمانية في العالم. وفي «أسئلة حول الأناجيل» قال إن المسيحيين يستطيعون القيام بأمور العالم العلماني «والحفاظ على عجلة التجارة العالمية دائرة بطرق يمكن تسخيرها لخدمة الرب.» ولقد أكد بقوة على أن المسيحي الذي سنحت له الفرصة لأن يصبح قاضيا كان عليه واجبا أن يفعل ذلك (مدينة الله).
Página desconocida