عودة المجد وهم أم حقيقة
عودة المجد وهم أم حقيقة
Editorial
مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
Ubicación del editor
القاهرة
Géneros
تُرى ما الذي دفع حنظلة لهذه المسارعة العجيبة دون التفكير في هذا الأمر الضروري؟!
وما الذي دفع الصحابة إلى المسارعة بإراقة الخمر بمجرد سماعهم نبأ التحريم؟!
وما الذي دفع الراكعين إلى تغيير وضعهم واتجاه صلاتهم فلم ينتظروا حتى يفرغوا من الصلاة؟!
بلا شك أن وراء ذلك كله أمرًا عظيمًا، وشيئًا ما كان يجذبهم إليه، ويدفعهم إلى المسارعة لتنفيذ أوامر الله دون النظر إلى أي شيء آخر.
إنهم- يقينًا- كانوا في حالة يقظة وانتباه وإدراك لطبيعة وجودهم في الدنيا.
يقينا كانوا ينظرون إلى الأمام، إلى رضا الله وجنته، ولذلك لم يكونوا يحتاجون إلى وقت طويل لكي يهيئوا أنفسهم لتنفيذ أوامر الله ورسوله، كانوا دائمًا على أهبة الاستعداد بسب وضوح الهدف أمامهم، مع يقظتهم المستمرة وشدة انتباههم وتحررهم من أي أثقال تجذبهم إلى الأرض.
فكيف وصلوا لهذه الحالة؟!
ما الوسيلة التي رفعتهم لهذه الآفاق العليا حتى نحذو حذوهم؟!
فإن قلت: قد يكون وجود الرسول ﷺ بينهم هو السبب في ذلك.
بلا شك أن وجود الرسول ﷺ بين الصحابة له دور كبير في استقامتهم، فهو المعلم والمربي، لكن لو كان الأمر يقف عند هذا الحد لأصبح من المستحيل الوصول إلى هذه الدرجة من الانتباه واليقظة وقوة الإيمان في غياب شخص رسول الله ﷺ، ومن ثم يصبح الحديث عن الاستقامة وعودة المجد حلم من الأحلام التي لا يمكن تحققها.
هذه واحدة، والأخرى أنه ﷺ عندما هاجر إلى المدينة وجد مستويات إيمانية عالية من أناس لم يسبق له أن رآهم أو تعامل معهم، فبعد بيعة العقبة أرسل ﷺ مصعب بن عُمير لأهل المدينة الذين كانوا على شركهم لينشر فيهم الإسلام، وقد كان، وانشرحت الصدور للدين الجديد، وامتلأت القلوب بالإيمان من قبل مجيء الرسول ﷺ والمهاجرين إليهم، كما وصفهم الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: ٩] ويكفي في الاستدلال على قوة إيمانهم ما فعلوه مع المهاجرين من إيثار عجيب.
هل تتحمل هذا الفعل؟!
تخيل نفسك وقد عدت إلى منزلك في يوم من الأيام فوجدت فى انتظارك أناسا لا تعرفهم وكان المطلوب منك أن تستضيفهم في بيتك، وليس ذلك لمدة يومًا أو يومين، بل ما شاء الله من شهور وسنين ... بيتك الذي هيأته لنفسك وأهلك جاء من يقتسمه معك، يقتسم طعامك وشرابك، فماذا تظن أن يكون شعورك؟!
أليس من المتوقع أن تجد في نفسك من ذلك، وتتمنى أن لا يحدث هذا الأمر؟!
نعم، هذا هو المتوقع منى ومنك، أما الأنصار فقد كان منهم العكس عندما تعرضوا لمثل هذا الموقف، فقد سعدوا سعادة غامرة بهذه الاستضافة، بل إنهم كانوا يتنازعون المهاجري الجديد فيما بينهم، حتى وصل الأمر لإجراء القرعة على كل مهاجري لمعرفة من سيفوز به.
فكيف وصل الأنصار لهذا المستوى وأغلبهم حديثو عهد بالإسلام، ولم يروا الرسول ﷺ من قبل؟!
وما الذي أوصل الصحابة جميعًا لحالة الانتباه واليقظة وسرعة المبادرة إلى فعل ما يرضي الله؟!
إنه أمر يحتاج إلى تفكير وتفكير لمعرفة السر الذي من خلاله وصل هؤلاء لهذه الدرجة السامقة من قوة الإيمان والتي استدعت رضا الله ومعونته لهم فأوفى بعهده معهم، وجعلهم سادة للأرض في سنوات معدودة ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [الفتح: ١٨، ١٩].
1 / 14