يا فؤادي إن يسل بالكون طوفان الفنا «فلك نوح» لك في طوفانه، لا تحزنن
منزل جد مخوف ومراد شاحط
لم يدم فج على ركبانه، لا تحزنن
حافظ! ما دمت في الفقر وليل حالك
في دعاء الله أو قرآنه، لا تحزنن
في معترك الخطوب
الحوادث في عراك دائم، والتاريخ في سيل مستمر، وإنما تبقى الأمم في معترك الحوادث، وتثبت في سيل التاريخ، بعقل يرشدها، وخلق يثبتها، وعمل تدفع به عن حياتها، وتؤثر به على الأرض آثارها، وتسطر به في التاريخ ذكرها. كم أمة جرفتها الحادثات، وذهب بها الزمان كما يذهب السيل بالغثاء! وكم أمة ثبتت في مجرى الأحداث كالصخور ينشق الماء عنها ويذهب وهي باقية راسخة!
والأرض ترجف اليوم بخطوب جسام، وتزلزل بأهوال لم يشهد التاريخ مثلها، تتصادم فيها الأمم بعددها من العلم والصناعة والخلق المتين، والنظام المحكم، والجد الدائب، تحترب الأمم في معارك على الأرض، وفي الماء والهواء، وتحترب في المدن والقرى، وفي المصانع والدور، ووراء هذا كله تتحارب بعلمها وخلقها. وقد خرت بعض الأمم على قوتها وكثرتها في هذا الجلاد، وثبتت أمم لا تزال تتناحر وتتفانى بكل ما عرف العقل والعلم والصناعة، وبكل ما أدرك الشيطان من وسائل التدمير والتخريب والقتل والفتك، ترسل بنيها إلى الوقائع حطبا لهذا الجحيم، ويصب عليها العذاب من السماء صبا، وكم تحطمت طائرات وسفن، ومدافع ودبابات، وخرت حصون وتهدمت بيوت، ولكن إرادة الإنسان، وعزيمة الإنسان، وعناد الإنسان، لم تتحطم أو تكل.
وقد دلت بعض الأمم في هذه الحرب على أن صبر الإنسان لا يهزم، وخلق الإنسان لا يدمر، فهزئت بالحوادث وهي هائلة، واستخفت بالهزائم وهي ماحقة، واستنارت بالأمل والظلم مطبقة، واستمسكت بالصبر والخطوب مزلزلة، واعتصمت بالعزة والإباء في العواصف الهوجاء، وما زالت حتى أخرجت من الهزيمة نصرا، ومن القلة كثرة، ومن الضعف قوة، وأثبتت للجاحدين أن الله مع الصابرين.
وما تزال الخطوب متصادمة، والأخلاق متلاحمة، والحوادث متلاحقة، عبرة لمن يعتبر، ومثلا لمن يمتثل، وذكرى لمن كان له قلب. ما يزال الزمان يشهد أعظم وقائعه، ويرى أكبر عبره، وينطق بأكبر عظاته، وفي الأمم من اتعظت بنفسها، وفيها من اتعظت بغيرها، وفيها من مرت بها العظات وهي غافلة، وزلزلت الأرض تحتها وهي راقدة، كأن الذي حولها أحلام هائلة.
Página desconocida