El impacto de los árabes en la civilización europea
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
Géneros
وقد كان لذلك التغير السريع آثاره في هذه المناحي الثلاثة، ولا سيما الأسرة، فإن التعليم وتحرير المرأة وتطور لوازم المعيشة قد اتحدت كلها على تقليل الرغبة في تعدد الزوجات؛ لأن الرجل المتعلم يطلب الزوجة للمشاركة في الفهم والشعور، ويضن ببنته وأخته في الوقت نفسه أن تتعرضا لمتاعب الضر والمنازعة بينها وبين الزوجات الأخريات، والمرأة المتحررة تنشد الزوج الذي يشاطرها الحب والمودة، ويعاملها معاملة الشريكة في حياته البيتية وحياته النفسية. وتكاليف المعيشة وتعليم الأبناء عبء لا يقوى عليه الزوج الذي يضطلع بهذه التكاليف في أكثر من أسرة واحدة.
وأصبح اقتناء الجواري محرما بحكم القانون بعد اتفاق الدول على تحريم الرق ، فبطلت الذرائع إلى تعديد الزوجات بالتسري والاسترقاق، وكان ضربا من الوجاهة ترضاه بعض الأسر الغنية على هذا الاعتبار.
وشوهدت في الأسر المصرية عناية بالحفلات البيتية لمناسبات لم تكن شائعة بين الشرقيين قبل الحضارة الأوروبية، وهي ذكريات الزواج، وذكريات ميلاد الآباء والأمهات والأبناء، وغيرها من المناسبات العامة التي يحتفل بها الغربيون؛ كرأس السنة الشمسية، وبعض مواسم الفصول، وأبيح في هذه المناسبات ما لم يكن مباحا قبل ذاك في مجتمعات الأسر كالمقامرة والشراب.
وقد كسبت الأسرة الشرقية من ناحية، وخسرت من ناحية أخرى بهذا الازدواج العجيب في آداب المعيشة، فإن الأمم الشرقية اقتبست من الغرب كثيرا من عادات الفراغ والنزهة «خارج البيت»، ولم تكن كلها مما يرافق حياة الأسرة وواجبات التربية التي تناط بالأمهات والآباء داخل البيوت، وساء فهم الحرية النسائية في بعض البيئات، فسبق إلى الأوهام أن الحرية تحرر من جملة القيود، ومنها قيود الوفاء للأزواج والأبناء، فتداعى بنيان الأسر التي فشت فيها هذه البدعة الغربية، وامتحن المجتمع الشرقي بمحنة خطيرة يحاول اليوم أن ينجو منها، ولا يزال في محاولاته حتى يتاح له الاستقرار على ملتقى مريح بين دواعي الحاضر ودواعي الماضي، ودواعي الحرية الفردية ومطالب المجتمع والأسرة.
أما العلاقة بين الطبقات فلم تتغير تغيرا كثيرا في الأمم الشرقية بعد الاحتكاك بالحضارة الأوروبية؛ لأن أوروبا منعت قيام الصناعات الكبرى في بلاد الشرق، واحتكرت أسواقها لمصنوعاتها، فوقف الزراع وأصحاب الأرض في موقفهم القديم، وركدت الصناعة فلم تجتمع عصبة من العمال في صعيد واحد للمطالبة بحقوقها كما تفعل جماعات العمال في العواصم الصناعية الكبرى.
وحالت أوروبا دون تجدد الطبقات بحائل آخر لم تقصده، ولكنه فعل فعله في جميع الأقطار الشرقية على تنوع مرافقها الاقتصادية، وذاك أنها أرسلت إلى الشرق أموالها ومصارفها وشركاتها لتستغل أغنياءه وفقراءه على السواء، فأصبحت الطبقات الاجتماعية كلها في حكم الطبقة العاملة أمام هذا الاستغلال، وتأجل تقسيم الطبقات من جراء هذا الاتفاق بينها في مواجهة رءوس الأموال الأجنبية.
وفيما عدا نشوء الحركة التعاونية في المدن والقرى على نطاق ضيق محدود ، لم تتغير علاقات الاقتصاد بين الطبقات تغيرا يناسب الخطوات السياسية التي خطاها الشرقيون سعيا إلى التحرير والاعتراف بالمركز القانوني في المعاملات الدولية.
وأهم ما يذكر في باب تجديد الطبقات أن انتشار التعليم وازدحام المدن قد ضاعفا قوة الطبقة الوسطى، فارتفع لها صوت مسموع في توجيه السياسة الوطنية، ولم تزل الطبقة الفقيرة عالة على الطبقة الوسطى في المطالبة بحقوقها، والإفضاء بشكايتها، ولكنها تستقل بالرأي شيئا فشيئا خلال هذه السنوات، ولا سيما سنوات الحرب العالمية وما تخللها وأعقبها من دعوات الإنصاف والتقريب بين الطبقات.
وإذا استطرد القول إلى الاقتصاد الاجتماعي - أو الاقتصاد الذي له علاقة بروح المجتمع وأخلاقه - فمن المستحدثات التي لا تهمل في هذا الصدد أن الشرق الإسلامي ترخص في إنشاء المصارف المالية، وقبل التعامل بالفائدة الطفيفة التي لا يعتبرها من الربا الفاحش المحرم بنصوص القرآن.
على أننا ننظر إلى جهود الأمم الشرقية من جميع الاعتبارات، فيجوز لنا أن نقول: إن الوعي السياسي فيها قد سبق الوعي الاجتماعي شوطا أو شوطين ... وإن المصلحة القومية تدفع بها الموازنة بين مساعيها في ميدان السياسة وميدان الاجتماع، بعد أن استنفدت قوتها الكبرى على إثر يقظتها الأولى في تحقيق غاياتها الوطنية وآمالها في الحكومة النيابية.
Página desconocida