منصور :
الموت مكتوب على الجبين، محدش يموت ناقص عمر، كله مكتوب، مكتوب بدقة. وكمان يعني الناس على قفا من يشيل والعدد في اللمون، واللمون كل ما يكتر يرخص. البني آدم عندها رخيص يا توفيق، رخيص لأنه موجود ومتوافر وزيادة عن اللازم، زي قطع الغيار الموجودة في السوق في أي وقت، لما تخسر قطع غيار من دول ترميها وتشتري غيرها؛ لأن ثمن الجديدة أرخص من تصليح القديمة. المسائل في العالم بتتحسب بالشكل ده يا توفيق، العرض والطلب، المكسب والخسارة.
د. توفيق :
الدكتور فهيم تفكيره كان مختلف يا منصور، د. فهيم عمره ما حسب المسائل بالشكل ده، طول عمره يحترم الإنسان وعمره ما استرخصه حتى وهو عيان أو غلبان، لسه فاكر إزاي كان بيغطي العيان لما يكشف عليه قدامنا واحنا طلبة، لسه فاكر إزاي كان بيخلي تلاتة بس مننا يكشفوا على العيان عشان ما يتعبش، غيره من الأساتذة كانوا بيعملوا إيه؟ الأستاذ اللي كان يرفع رجليه ويحط جزمته على مخدة العيان، الأستاذ اللي كان يسيب خمسين طالب يضغطوا بالسماعات على قلب الطفل الصغير لغاية ما تحفر السماعات على صدره حفرة مدورة غويطة وحمرا، الأستاذ اللي ضرب العيان الشاب قلم على وشه لأنه رفض يقلع هدومه كلها قدام الطلبة والطالبات، الأستاذ اللي كان يعري العيانة قصادنا في عز البرد وخمسين واحد مننا يفحص بصوابعه في جسمها، الدكتور فهيم ما كنش بيعمل كده.
منصور :
يا سلام على السذاجة والبراءة، لولا إنك كنت زميلي في ابتدائي وثانوي، ولولا إني عارف مية في المية إنك اتخرجت من الطب، لا يمكن بتفكيرك ده أقول عليك دكتور. انت دخلت الطب ليه يا ابني، اللي زيك دول ما ينفعوش في الطب، أحسن لك تروح تكتب روايات أو شعر أو حاجات كده من بتاعة الخيال والعواطف زي حالاتنا، الطب علم، والعلم: واحد + واحد = اتنين ... اتنين بالضبط. لا يمكن يكونوا تلاتة، ولا يمكن يكونوا واحد ونص، اتنين بالضبط . ده علم الحساب، الدكتور فهيم راجل علمي وشاطر في الحساب، ولولا إنه شاطر في الحساب ماكنش نجح ووصل في عالم بيحسب ليل نهار، ماكنش نجح ووصل في وسط ناس بيجروا ويتنافسوا والأشطر يكسب، وطبعا مافيش مانع من شوية عواطف كده زي البهارات تنحط من فوق وماتكلفش حاجة، زي إنك تغطي عيان غلبان عشان ما يبردش، أو ما تحطش رجلك على سرير العيان، حاجات كده ظريفة وإنسانية ترضي ضمير الواحد، تخليه يحس بالسعادة، زي ما تدي قرش لشحات وانت ماشي في السكة، صدقة حلوة كده تخلي أمثالك من السذج يبصوله بإعجاب وحب، إنما عند الجد لما الكرسي اللي قاعد عليه ينهز، لما رزقه ورزق عياله يبقى مهدد بالقطع، المسألة تبقى عاوزة تفكير وعاوزة عقل وعلم وحساب، حساب دقيق جدا جدا، واحد + واحد = اتنين، اتنين بالضبط، لا يمكن يكونوا تلاتة ولا يمكن واحد ونص، وفي الحالة دي مافيش حاجة اسمها عواطف، مافيش حاجة اسمها إنسانية، مافيش زرقا، العواطف هنا اسمها سذاجة، رعونة ... والإنسانية هنا اسمها طيش، جنون ... إنما العقل ... يا سلام على عقل الدكتور فهيم فهمي، أحسن واحد يعقل في الحالة دي. (منصور يضحك بسخرية.)
توفيق :
انت طول عمرك كده يا منصور، ما تفرقشي بين الإنسان الكويس والوحش، كل الناس عندك وحشين، كل الناس عندك يضعفوا قصاد الفلوس والدرجات والكراسي. أنا معاك فيه ناس كتيرة كدة، لكن الدكتور فهيم كان غير دول، مش ممكن أنخدع فيه 10 سنين، مش ممكن. انت دخلت عيادته؟ لو دخلت عيادته تلاحظ إنه مش معلق يافطة بالأسعار، عمره ما تاجر بالطب، عمره ما أخذ فلوس من عيان غلبان مش قادر يدفع ال ...
منصور :
ما هي برضه ضمن العواطف اللي تنفع أكتر ما تضر، على السمعة الحلوة دي عيادته مليانة كل ليلة زي الرز، واللي يقدر يدفع أكتر من اللي ما يقدرش يدفع، دول ناس بحورهم غويطة يا توفيق، ناس يعرفوا يحسبوا كويس، كل حاجة عندهم لها ثمن ولازم تجيب ثمنها، حتى ولو كانت عاطفة كده ... عابرة!
Página desconocida