التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Khaldoun Naguib d. Unknown
75

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Géneros

الشَّرْحُ - سِيَاقُ الآيَةِ السَّابِقَةِ هُوَ ﴿وَالَّذِيْنَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيْقًا بَيْنَ المُؤْمِنِيْنَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُوْلَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، لَا تَقُمْ فِيْهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُوْمَ فِيْهِ فِيْهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِيْنَ﴾ (التّوبة:١٠٨). (١) - قَوْلُهُ (لَا يُذْبَحُ للهِ): هَذَا مِنَ النَّفْي المُشْتَمِلِ عَلَى النَّهْي؛ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ مُجَرَّدِ النَّهْي، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أنْ يَقَعَ أَصْلًا. - الحِكْمَةُ فِي النَّهْي عَنِ الذَّبْحِ فِي مَكَانٍ يُذْبَحُ فِيْهِ لِغَيْرِ اللهِ هِيَ: ١) أَنَّهَا وَسِيْلَةٌ مُفْضِيَةٌ إِلَى الشِّرْكِ، فَهِيَ مِنْ بَابِ سَدِّ ذَرَائِعِ الشِّرْكِ. (٢) ٢) تَشَبُّهٌ بِالكُفَّارِ الَّذِيْنَ يَذْبَحُوْنَ فِيْهِ لِغَيْرِ اللهِ. ٣) يُؤَدِّي لِلاغْتِرَارِ بِالفِعْلِ، فَمَنْ رَآه يَظُنُّ أَنَّ فِعْلَ المُشْرِكِيْنَ جَائِزٌ. ٤) تَكْثِيْرٌ لِسَوَادِهِم، فَالمُشْرِكُوْنَ يَقْوَوْنَ عَلَى فِعْلِهِم إِذَا رَأَوا مَنْ يَفْعَلُ مِثْلَهُم.

(١) قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (ص٣٥١): (كَانَ أُنَاسٌ مِنَ المُنَافِقِيْنَ مِنْ أَهْلِ قُبَاء اتَّخَذُوا مَسْجِدًا إِلَى جَنْبِ مَسْجِدِ قُبَاءٍ، يُرِيْدُوْنَ بِهِ المَضَارَّةَ وَالمُشَاقَّةَ بَيْنَ المُؤْمِنِيْنَ، وَيُعِدُّوْنَهُ لِمَنْ يَرْجُوْنَهُ مِنَ المُحَارِبِيْنَ للهِ وَرَسُوْلِهِ - يَكُوْن لَهُم حِصْنًا عِنْدَ الاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ - فَبَيَّنَ تَعَالَى خِزْيَهُم؛ وَأَظْهَرَ سِرَّهُم فَقَالَ: ﴿وَالَّذِيْنَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا﴾ أَيْ: مُضَارَّةً لِلمُؤْمِنِيْن وَلِمَسْجِدِهِم الَّذِيْ يَجْتَمِعُوْنَ فِيْهِ ﴿وَكُفْرًا﴾ أَيْ: قَصْدُهُم فِيْهِ الكُفْرُ؛ إِذْ قَصَدَ غَيْرُهُم الإِيْمَانَ. ﴿وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِيْنَ﴾ أَيْ: لِيَتَشَعَّبُوا وَيَتَفَرَّقُوا وَيَخْتَلِفُوا، ﴿وَإِرْصَادًا﴾ أَيْ: إِعْدَادًا ﴿لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُوْلَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ أَيْ: إِعَانَةً لِلمُحَارِبِيْنَ للهِ وَرَسُوْلِهِ الَّذِيْنَ تَقَدَّمَ حِرَابُهُم وَاشْتَدَّتْ عَدَاوَتُهُم، وَذَلِكَ كَأَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ الَّذِيْ كَانَ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ وَهَاجَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ؛ كَفَرَ بِهِ، وَكَانَ مُتَعَبِّدًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَذَهَبَ إِلَى المُشْرِكِيْنَ يَسْتَعِيْنُ بِهِم عَلَى حَرْبِ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ. فَلَمَّا لَمْ يُدْرِكْ مَطْلُوْبَهُ عِنْدَهُم ذَهَبَ إِلَى قَيْصَرَ - بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَنْصُرُهُ -؛ فَهَلَكَ اللَعِيْنُ فِي الطَّرِيْقِ، وَكَانَ عَلَى وَعْدٍ وَمُمَالَأَةٍ هُوَ وَالمُنَافِقُوْنَ، فَكَانَ مِمَّا أَعَدُّوا لَهُ مَسْجِدَ الضِّرَارِ، فَنَزَلَ الوَحْيُ بِذَلِكَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ مَنْ يَهْدِمُهُ وَيَحْرِقُهُ، فَهُدِمَ وحُرِقَ، وَصَارَ بَعْدَ ذَلِكَ مَزْبَلَةً. قَالَ تَعَالَى - بَعْدَمَا بَيَّنَ مِنْ مَقَاصِدِهِم الفَاسِدَةِ فِي ذَلِكَ المَسْجِدِ -: ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا﴾ فِي بِنَائِنَا إِيَّاهُ ﴿إِلَّا الحُسْنَى﴾ أَيْ: الإِحْسَانَ إِلَى الضَّعِيْفِ وَالعَاجِزِ وَالضَّرِيْرِ ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ فَشَهَادَةُ اللهِ عَلَيْهِم أَصْدَقُ مِنْ حَلِفِهِم. ﴿لَا تَقُمْ فِيْهِ أَبَدًا﴾ أَيْ: لَا تُصَلِّ فِي ذَلِكَ المَسْجِدِ الَّذِيْ بُنِيَ ضِرَارًا أَبَدًا، فَاللهُ يُغْنِيْكَ عَنْهُ، وَلَسْتَ بِمُضْطَرٍّ إِلَيْهِ. ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ ظَهَرَ فِيْهِ الإِسْلَامُ فِيْهِ - وَهُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ - أُسِّسَ عَلَى إِخْلَاصِ الدِّيْنِ للهِ، وَإِقَامَةِ ذِكْرِهِ وَشَعَائِرِ دِيْنِهِ، وَكَانَ قَدِيْمًا فِي هَذَا عَرِيْقًا فِيْهِ، فَهَذَا المَسْجِدُ الفَاضِلُ ﴿أَحَقُّ أَنْ تَقُوْمَ فِيْهِ﴾ وَتَتَعَبَّدَ وَتَذْكُرَ اللهَ تَعَالَى، فَهُوَ فَاضِلٌ، وَأَهْلُهُ فُضَلَاءُ، وَلِهَذَا مَدَحَهُم اللهُ بِقَوْلِهِ ﴿فِيْهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ مِنَ الذُّنُوْبِ وَيَتَطَهَّرُوا مِنَ الأَوْسَاخِ وَالنَّجَاسَاتِ وَالأَحْدَاثِ. (٢) وَكَمَا أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ هِيَ لِعِلَّةِ مَنْعِ التَّشَبِّهِ بِالمُشْرِكِيْنَ - وَهِيَ مُشَابَهَةٌ زَمَنِيَّةٌ -؛ فَمَوْضُوْعُ البَابِ فِي المُشَابَهَةِ المَكَانِيَّةِ.

1 / 75