Secretos de los palacios: políticos, históricos, amorosos, literarios
أسرار القصور: سياسية، تاريخية، غرامية، أدبية
Géneros
فأجابه مدحت باشا: نعم أنا عالم بخطورة المسألة، غير أن الوطن في خطر، وكل منا حامل على عاتقه قسما هائلا من المسئولية، ولا ينال العلى من لم يركب الخطر، فلا بد من إنقاذ تركيا من وهدة الهلاك، وعليه أرى أن يعهد إلى عوني باشا أن يذهب الساعة لإيقاظ ولي العهد ، واستحضاره إلى السر عسكرية، ونحن نستدعي شيخ الإسلام، ويذهب رديف باشا إلى ثكنة طلمه بغجه فيأمر بتوقيف الضباط والجنود الباقية فيها للحراسة، ويسلم قيادة الجنود التي اخترناها لمحاصرة السراي إلى صلاح بك، ويتخذ وزير البحرية مثل هذه الوسائل في الدوارع الراسية أمام طلمه بغجه، وبعد أن يتم كل شيء بالحذر والحكمة والجسارة والإقدام يذهب رديف باشا فيبلغ السلطان خبر خلعه ويخرجه من سرايه إلى السراي القديمة، ونجري نحن المبايعة للسلطان الجديد، وهكذا لا يبزغ فجر غد حتى تنتقل تركيا إلى طور جديد سعيد إن شاء الله.
فصادق الجميع على هذا الرأي، وعلى وجوب العمل به حالا.
وعند نصف الليل تماما خرج رديف باشا يصحبه صلاح الدين بك مع 30 ضابطا من المتآمرين كانوا معهما، وقصدوا ثكنة طلمه بغجه، فلما رأى الضباط والجنود الوزير خفوا للقائه والتسليم عليه، فأبرز رديف أمرا من السر عسكرية بتوقيف الضباط فأوقفهم بلا ممانعة، وعهد صلاح الدين إلى بقية الضباط الذين استصحبهم معه باستلام مراكزهم، واستلم هو القيادة الكبرى، فأمر الجنود أن تتهيأ للمسير بكامل معداتهم، فلم تمض عشر دقائق حتى تجمع الجنود في ساحة الثكنة مدهوشين من إيقاظهم في تلك الساعة، فتناول صلاح الدين مسدسه واستعرض كل نفر منهم فردا فردا؛ ليعرف إذا كان بينهم خائن أو جاسوس، فلما فرغ خاطب الجنود قائلا: الوطن في خطر، أترون هذا المسدس فكل من ينبس منكم ببنت شفة مات في الحال، وأمري الوحيد إليكم الصمت التام ... فلم يجب أحد بشيء، وحينئذ استل رديف باشا حسامه ومسدسه بيده، وسار والجنود تتبعه بقيادة صلاح الدين بك، وانحدروا حتى سراي طلمه بغجه، وكان يظهر أن الجمع هنالك نيام والسكوت تام والظلام دامس شديد الحلك، فتقدم رديف إلى الباب الحديدي، وقبل أن يسأل الحارس من القادم تقدم إليه ضابط مصوبا مسدسه إلى صدره فأعطاه كلمة التعارف، ثم أمر الضباط بتوقيف الحارس وإبداله بغيره، وظل يفعل مثل هذا مع كل حارس حتى فتحت جميع الأبواب، فدخلت الجنود وأحاطت بالسراي إحاطة السوار بالمعصم، وبقيت - والحق يقال - الجنود جاهلة السبب في هذا كله، وقد وهموا أنهم يعملون بأمر السلطان. فوزع صلاح الدين الضباط على المراكز، وأخذ على نفسه أخطرها؛ أي حراسة الباب الكبير، وهناك اتكأ على سيفه المسلول، ورفع رأسه إلى نوافذ السراي، وقال: أي سلطانة مهرى قد أزفت ساعة الانتقام.
فلما رأى رديف باشا أن جميع الاحتياطات قد أخذت من الخارج تقدم إلى السلم الكبرى فصعدها وثلاثة من الضباط تتبعه، وسار إلى قاعة الخصيان، فذعر هؤلاء لما شاهدوا أولئك الزوار في تلك الساعة، ولم يعرفوهم لأول وهلة، فصاحوا ماذا جاء بكم إلى هنا؟ ومن أين دخلتم؟ ومن أنتم؟ وماذا تريدون؟ فأجابهم رديف: لا ثرثرة ولا هذيان أنا رديف باشا أريد مقابلة السلطان لأمر مهم، فليذهب أحدكم وليخبر رئيس الخصيان أن يدخلني عليه الساعة بلا إبطاء. فقالوا: أفندم الجميع نيام في الحرم، فصاح به رديف اذهب وقل كما أمرتك.
فخاف الخصي وسار إلى رئيسه يخبره بما كان، فقام مهرولا وكان عبدا أسود طويل القامة هائل الجثة. فلما وصل قال غاضبا: أي رديف، ماذا أصابك حتى جئت توقظني في مثل هذه الساعة، ولو لم يخبرني هذا العبد بأن المسألة هامة لما جئت.
فأجابه رديف عابسا: قد أحسنت بمجيئك، وإلا لكنت ذهبت بنفسي وأيقظتك بحد هذا الحسام، والآن سر وأخبر مولاك أني أريد مقابلته الساعة بلا تأخر ولا إمهال.
فصاح الخصي: أي رديف، أجننت؟! أو أنت راغب في حز رأسك حتى تجاسر على هذا الكلام وإيقاظ جلالة السلطان؟! إذن هو نائم، نعم، قد رقد الساعة. - اعلم إذن أن تركيا بعد الآن قد تملصت من نير الحرم والخصيان، وهذه الليلة هي آخر ليالي الظلم والاستبداد، وإذا كنت في شك مما أقول فتقدم. ثم تناول الخصي من يده وسار به إلى شرفة، وقال له: انظر الجنود المحيقة بالسراي؛ فذعر الخصيان ورعبوا، وصاروا يولولون كالنساء.
فانتهرهم رديف قائلا: كل من يرفع صوته أخطف نفسه، فصمتوا للحال كأن على رءوسهم الطير، فقال رديف لرئيسهم وقد جمد الدم في عروقه من الخوف: اذهب وأخبر السلطان بما سمعت وشاهدت، وإني أريد مقابلته الساعة ...
فأجاب الخصي: «آمان أفندمز» لا أتجاسر على ذلك؛ لأنه يحز رأسي.
فقال له رديف: لا تخش شيئا خذ هذا القنديل وسر أمامي، فقال الخصي: ألست عازما على قتله على الأقل ...؟ فأجابه بازدراء: لست بسفاح. سر بنا. أين الطريق؟
Página desconocida