فاضطربت ماري وصرخت: «يوسف! يوسف!»
فاندفع يوسف إلى الداخل كالأسد المفترس، فنظرت إليه جوزفين نظرة الأم وقالت: «إننا مشتبهون» بماري أنها البنت المذكورة في هذه الورقة، ونود أن ننظر ظهرها لنرى هل فيه وشم نجمة.
فنظر يوسف إلى ماري نظرة رجاء، كأنه يقول لها: اخلعي ثوبك واكشفي ظهرك. فقالت: «نعم فيه، نعم!» وجعلت تخلع، فتقدمت إليها الأميرة نعمت وساعدتها على خلع ثوبها، وكانت هي أول من رأى النجمة على ظهر ماري فطوقتها بذراعيها وقبلت تلك النجمة، ثم استنشقت شعرها ودارت إلى خدها وقبلته وغسلته بدمعها وهي تقول: بنتي حبيبتي، حياتي، تعزيتي!
فألوت عليها ماري وطوقتها أيضا قائلة: أماه، أأنت أمي؟ ما كنت أظن أن لي في الوجود أما، فأين كانت هذه السعادة مخبوءة لي؟
ثم دخل الأمير نعيم وأحمد بك وشاهدا النجمة، وفي الحال ردت ماري ثوبها على بدنها، وجعل الجميع يقبلون بعضهم بعضا بدموع الفرح، وأحمد بك ينظر إليهم ودموع التأثر تذرف من مقلتيه وهو يقول: تبارك اسم الله! رباه أتصفح عن إثمي الماضي؟ فالتفتت إليه الأميرة نعمت وقالت: صفح يا أحمد، صفح، فهل تشاء أن تكون أبا ثانيا لماري ؟ فجثا أحمد بك لدى الأميرة، وقال: إن كنت قد صفحت يا نعمت وترين أني صرت أستحق هذه النعمة، فأنت معبودتي جهرا لا سرا فقط. وانحنى على يدها وقبلها.
ولو جئنا نشرح للقارئ ما كان بين أولئك الخمسة من الفرح العظيم الفائق الوصف، ومن الاندهاش وتأمل الواحد بالآخر طورا، ومن التساؤل حينا والاستفسار حينا آخر، والتقبيل هنيهة أو الضم أخرى، لملأنا مجلدا، ولكن نكتفي بالقول إنهم قضوا ذلك النهار يقصون على بعضهم ما صادفوه في ماضي حياتهم، وما جرى لهم من الحوادث المحزنة والمفرحة.
وفي المساء وقد انتهوا من كل قصصهم وتفاهموا جيدا، قالت الأميرة نعمت: بقي علينا أن نرى الطريقة المثلى لتأديب أولئك الخبثاء: عاصم، وبهجت، وسنتورلي، وماري، جوتيه. والانتقام منهم، فأولا يجب أن تسترد كل الأملاك من عاصم، وأن يعرى من لقب أمير؛ لأنه دخيل في الأسرة، وقد أدخله وأخته المرحوم أبونا حبا بأمه، وظنه مستقيما طيب القلب لما كان يبدو من غيرته وحبه، وما درى أنه خبيث مراء منافق فجعله أخانا، ولكنه خدعنا وجر علينا ويلات عديدة، فبأي نقمة نعاقبه؟
وجعلت نعمت تحرق الأرم عليه وتهيج سخطها، فهدأ الأمير نعيم روعها، وقال: طيبي نفسا يا أختي وقري عينا، فإننا إذا عجزنا نحن عن الانتقام من أعدائنا الخبثاء، فالله لا يعجز عن ذلك، وسنفتكر بذلك مليا وندبر الطرق اللازمة بحيث نسترد حقوقنا ونسلم أعداءنا للقضاء فيقتص منهم. - كلا، بل ننتقم منهم بأنفسنا. - إنك حقودة يا نعمت. - لست حقودة ... بل إن أشرارا كهؤلاء من أهل جهنم، وللإنسان حق بأن يكره الأبالسة ويحقد عليهم. - سنرى، وأهم شيء عندي الآن أن تزف ماري إلى يوسف، ونعقد كتابك على أحمد بك ونعيش جميعا بهناء وصفاء. •••
وبعد بضعة أيام أعلن قران الأمير يوسف بك صدقي بالأميرة نعمت هانم، وزواج الأمير نعيم بالأميرة جوزفين هانم، واطلع كل أعضاء الأسرة وغيرهم على ما كان من تلك الحوادث الغريبة، وأنزلوا الأمير عاصم من مكانته في عيونهم، وتولى القضاء قضايا تزويره ومكايده وجعلت النيابة العمومية تشتغل بتحقيقه مدة لتدينه وتعاقبه العقاب الذي يستحقه.
Página desconocida