Asl al-Zarari Sharh Sahih al-Bukhari - Manuscript
أصل الزراري شرح صحيح البخاري - مخطوط
Editorial
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
Ubicación del editor
https
Géneros
من أداة التشبيه، والتشبيه لا عموم له سواء قال: نحو وضوئي أو مثل وضوئي، فلا يلزم ما ذكره النووي، وحينئذٍ فلا فرق في التعبير بين (نحو) و(مثل).
وقول ابن حجر: (فالتعبير بـ «نحو» من تصرف الرواة؛ لأنَّها تطلق على المثلية مجازًا)؛ ليس بشيء؛ لأنَّه قد ثبت في اللغة مجيء (نحو) بمعنى: مثل، يقال: هذا نحو ذلك؛ أي: مثله؛ فافهم، ذكره في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.
(ثم صلى ركعتين): قبل جفافه، ولو صلى عقبه فريضة؛ حصلت له هذه الفضيلة كما تحصل تحية المسجد بذلك، كما في «شرح المشكاة»، ومحل هذه الصلاة في كل وقت إلا الأوقات المنهية من طلوع الشمس إلى أن ترتفع، وعند استوائها إلى أن تزول، وعند اصفرارها إلى أن تغرب، وقال مالك: ليست هذه الصلاة من السنن، والحديث حجة عليه، والله أعلم.
(لا يحدِّث فيهما) أي: في الركعتين (نفسه)، وحديث النفس قسمان: ما يهجم عليها ويتعذر دفعه (^١)، وما يسترسل معها ويمكن قطعه، فيحمل الحديث عليه دون الأول؛ لعسر اعتباره.
وقوله: (يحدث) من باب التفعيل، وهو يقتضي التكسُّب من أحاديث النفس، ودفع هذا ممكن، وأمَّا ما يهجم من الخواطر والوساوس؛ فإنَّه يتعذر دفعه؛ فيُعفَى عنه، ونقل عياض: أن المراد: من لم يحصل له حديث النفس أصلًا ورأسًا، وتعقَّبه النووي فقال: حصول هذه الفضيلة مع طرآن الخواطر العارضة غير المستقرة، نعم؛ من اتفق أن يحصل له عدم حديث النفس أصلًا أعلى درجة بلا ريب، ثم حديث النفس يعمُّ الخواطر الدنيوية والأخروية، والحديث محمول على المعلَّق بالدنيا فقط؛ لما جاء في رواية في هذا الحديث ذكره الحكيم الترمذي في (الصلاة) بلفظ: «لا يحدِّث فيهما نفسه بشيء من الدنيا ثم دعا؛ إلا استجيب له»، انتهى، فإذا حدَّث نفسه فيما يتعلق بأمور الآخرة كالفكر في معاني المتلوِّ من القرآن، والمذكور من الدعوات والأذكار، أو في أمر محمود، أو مندوب إليه؛ فلا يضره ذلك، وقد ورد عن عمر بن الخطاب أنَّه قال: (لأجهِّز الجيش وأنا في الصلاة)، كذا في «عمدة القاري».
وفي هذا دليل واضح على أن الخشوع في الصلاة وغيرها غير شرط للصحة، بل هو مندوب ولا يسعنا غيره، خلافًا لمن زعم أنَّه شرط؛ فليحفظ.
وجواب الشرط قوله: (غُفِر له)؛ بضم الغين المعجمة بالبناء للمفعول، وفي رواية: (غفر الله له)، والجملة محلُّها رفع على الخبرية (ما تقدم): في محل رفع؛ لأنَّه مفعول ناب عن الفاعل (مِن): للبيان (ذنبه)؛ يعني: من الصغائر دون الكبائر، كذا هو مبيَّن في «مسلم»، وظاهر الحديث يعم جميع الذنوب، ولكنَّه خصَّ بالصغائر؛ لوروده مقيَّدًا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية، وأمَّا الكبائر؛ فإنَّما تُكفَّر بالتوبة، وكذلك مظالم العباد.
فإن قيل: حديث عثمان ﵁ الآخر الذي فيه: «خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره» مرتَّب على الوضوء وحده، فلو لم يكن المراد بما تقدم من ذنبه من هذا الحديث العموم والصغائر في ذلك؛ لكان الشيء مع غيره كالشيء لا مع غيره، فإنَّ فيه الوضوء والصلاة، وفي الأول الوضوء وحده وذلك لا يجوز.
وأجيب: بأن قوله: (خرجت خطاياه) لا يدل على خروج جميع ما تقدم له من الخطايا، فيكون بالنسبة إلى يومه أو إلى وقت دون وقت، وأمَّا قوله: (ما تقدم من ذنبه)؛ هو عام بمعناه وليس له بعض متيقن؛ كالثلاثة في الجمع؛ أعني: الخطايا، فيحمل على العموم في الصغائر.
وقال ابن حجر: وهو في حقِّ من له صغائر وكبائر، ومن ليس له إلا صغائر؛ كُفِّرت عنه، ومن ليس له إلا كبائر؛ خُفِّف عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر، ومن [ليس] له صغائر ولا كبائر له؛ يزاد في حسناته بنظير ذلك.
ورده في «عمدة القاري»: (بأن الأقسام الثلاثة الأخيرة غير صحيحة، أما الذي ليس له إلا صغائر؛ فله كبائر أيضًا؛ لأنَّ كل صغيرة تحتها صغيرة فهي كبيرة، وأمَّا الذي ليس له إلا كبائر؛ فله صغائر؛ لأنَّ كل كبيرة تحتها صغيرة، وإلا؛ لا تكون كبيرة، وأمَّا الذي ليس له (^٢) صغائر؛ فله كبائر أيضًا؛ لأنَّ ما فوق الصغيرة التي ليس تحتها صغيرة؛ فهي كبائر؛ فافهم) انتهى كلامه، وتمامه مبسوط في «كشف الحجاب عن العوام».
ثم قال في «عمدة القاري»: (والثواب الموعود به مرتب على أمرين؛ الأول: وضوءُه على النحو المذكور، والثاني: صلاته ركعتين عقيبه بالوصف المذكور في الحديث، والمرتَّب على مجموع أمرين لا يلزم ترتُّبه على أحدهما إلا بدليل خارج، وقد يكون للشيء فضيلة بوجود أحد جزئيه، فيصح كلام من أدخل هذا الحديث في فضل الوضوء فقط؛ لحصول مطلق الثواب، لا الثواب المخصوص على مجموع الوضوء على النحو المذكور والصلاة الموصوفة بالوصف المذكور) انتهى، والله أعلم.
١٦٠ - (وعن إبراهيم)؛ أي: ابن سعد السابق، فهو معطوف على قوله: (حدثني إبراهيم)، فهو موصول وليس بتعليق، كما زعم مغلطاي، والكرماني، وغيرهما، فقد أخرجه مسلم والإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بالإسنادين معًا وإن كانا جميعًا عند يعقوب؛ فلا مانع أن يكون عند الأويسي، ثم وجدت الحديث الثاني عند أبي عوانة في «صحيحه» من حديث الأويسي المذكور، قاله ابن حجر.
واعترضه في «عمدة القاري» بأنَّه لا يلزم من إخراج مسلم والإسماعيلي من طريق يعقوب بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن سعد موصولًا أن يكون كذلك عند المؤلف، غاية ما في الباب أنَّه يحتمل أن يكون معقَّبًا بحديث إبراهيم الأول؛ فيكون موصولًا، وبمجرَّد الاحتمال لا يتعيَّن نفي كونه معلقًا، والحال: أنَّ صورته صورة التعليق وإليه أقرب، وكذا لا يلزم من كونه عند أبي عوانة من حديث الأويسي أن يكون موصولًا عند المؤلف؛ لاحتمال عدم السماع منه، كما لا يخفى، وتمامه فيه؛ فليحفظ.
(قال: قال صالح بن كَيْسان)؛ بفتح الكاف وسكون المثناة التحتية، (قال ابن شهاب): محمد بن مسلم الزهري، فإبراهيم هنا يروي عن ابن شهاب بالواسطة؛ وهو صالح، وروى عنه في أول الباب بلا واسطة (ولكن عروة) أي: ابن الزبير بن العوام (يحدث عن حُمْرَان)؛ بضم الحاء المهملة، وهذا استدراك من ابن شهاب، وأشار إلى أنَّ شيخَي ابن شهاب في هذا الحديث؛ وهما عطاء بن يزيد وعروة بن الزبير اختلفا في روايتهما عن حُمران عن عثمان بن عفان؛ فحدَّث به عطاء على وجه، وعروة على وجه، وليس ذلك باختلاف؛ لأنَّهما حديثان متغايران، وقد رواهما معًا عن حُمران معاذ بن عبد الرحمن، فأخرج المؤلف من طريقه نحو سياق عطاء، ومسلم من طريقه نحو سياق عروة، وأخرجه أيضًا من طريق هشام بن عروة عن أبيه، كذا في «عمدة القاري».
وقال القسطلاني: فأمَّا صفة تحديث عطاء؛ فتقدَّمت، وأمَّا صفة تحديث عروة؛ فأشار إليها بقوله: (قال: فلما توضأ عثمان) ﵁، وسقط في رواية لفظة: (قال)، وهذا عطف على محذوف؛ تقديره: عن حمران أنَّه رأى عثمان دعا بإناء؛ فأفرغ على كفيه إلى أن قال: ثم غسل رجليه إلى الكعبين، فلمَّا توضَّأ؛ (قال: ألا) بفتح الهمزة، للتنبيه (أحدِّثكم)، وفي رواية الأربعة: (لأحدثَّنكم): جواب قسم محذوف؛ أي: والله لأحدثنَّكم (حديثًا)؛ بالنصب على أنه مفعول ثان لـ (أحدثنكم) (لولا)؛ لربط امتناع الثانية لوجود الأولى، نحو: لولا زيد؛ لأكرمتك؛ أي: لولا زيد موجود؛ لأكرمتك (آيةٌ): مبتدأ وخبره محذوف هنا وجوبًا؛ والتقدير: لولا آية ثابتة، وفي «مسلم»: (لولا آية في كتاب الله)، وقال القاضي عياض: (لولا آية): هكذا
_________
(^١) في الأصل: (دفعها)، ولعل المثبت هو الصواب.
(^٢) زيد في الأصل: (إلا)، ولعل حذفها هو الصواب
هو بالمدِّ والياء المثناة التحتية، ورواه الباجي: (لولا أنَّه)؛ بالنُّون؛ يعني: لولا أنَّ معنى ما أحدثكم به في كتاب الله؛ ما حدثتكم، وفي «المطالع»: قول عثمان: (لولا أنَّه في كتاب الله)؛ بالنُّونفيرواية يحيى، وجماعة معه، وكذا لابن ماهان في «مسلم»، وعند ابن مصعب، وابن وهب، وآخرين من رواية «الموطأ»: (لولا آية)، وهي رواية الجلودي في «مسلم»، وبهذا ظهر بطلان قول ابن حجر: صحَّف بعض رواته (آية)، فجعلها (أنَّه)؛ بالنُّون المشددة، وبهاء الشأن؛ فافهم. وقوله: (ما حدثتكموه): جواب (لولا)، واللام محذوفة منه؛ ومعناه: لولا أنَّ الله تعالى أوجب على من علم علمًا إبلاغه؛ لما (^١) كنت حريصًا على تحديثكم، ولما كنت مكترثًا (^٢) بتحديثكم، (سمعت النبي) الأعظم ﷺ حال كونه (يقول) فالجملة محلها نصب على الحال: (لا يتوضأ)، وفي رواية: (لايتوضَّأنَّ)؛ بنون التوكيد الثقيلة (رجل) ومثله المرأة (فيحسن)، وفي رواية: بدون الفاء؛ أي: يحسن (وضوءه)؛ من الإحسان، ومعنى إحسان الوضوء: الإتيان به تامًّا بصفته، وآدابه، وتكميل سننه، وهو بالرفع عطف على قوله: (لا يتوضأ)، وكلمة الفاء هنا؛ بمعنى (ثم)؛ لأنَّ إحسان الوضوء ليس متأخِّرًا عن الوضوء حتى يعطف عليه بالفاء التعقيبية، وإنَّما موقعها موقع (ثم) التي هي لبيان المرتبة وشرفها، دلالة على أن الإحسان في الوضوء والإجادة فيه من محافظة السنن ومراعاة الآداب أفضل من أداء ما وجب مطلقًا، ولا شك أن الوضوء المحسنَ فيه أعلى رتبة من الغير المحسنِ فيه؛ فليحفظ. (ويصلي الصلاة)؛ أي: المكتوبة، وفي رواية لمسلم: (فيصلي هذه الصلوات الخمس) (إلا غُفِر)؛ بضم الغين المعجمة، مبني للمفعول (له)؛ أي: لا يتوضأ رجل إلا رجل غفر له، فالمستثنى محذوف؛ لأنَّ الفعل لا يقع مستثنى، أو التقدير: لا يتوضَّأ رجل في حال إلا في حال المغفرة، فيكون الاستثناء من أعمِّ عام الأحوال (ما بينه وبين الصلاة)؛ أي: التي تليها، كما صرَّح به مسلم في رواية هشام بن عروة (حتى يصليها)؛ أي: يفرغ منها، ولفظة: (حتى) غاية لحصول (^٣) المقدَّر العامل في الظرف؛ لأنَّ الغفران لا غاية له، وقال ابن حجر: (معناه: أن يشرع في الصلاة الثانية)، وردَّه في «عمدة القاري»؛ حيث قال: وهذا معنى فاسد؛ لأنَّ قوله: «ما بينه وبين الصلاة»: يحتمل أن يراد به بين الشروع في الصلاة وبين الفراغ منها، ولمَّا كان المراد الفراغ منها؛ أشار عليه بقوله: «حتى يصليها»، ولهذا لم يكتف بقوله: «بين الصلاة»؛ لأنَّه لا يغني عن ذكر «حتى يصليها»؛ لما ذكرنا، انتهى، وتمامه في «كشف الحجاب عن العوام»، ثم قال في «عمدة القاري»: والمراد بهذا وأمثاله غفران الصغائر، كما سبق، وجاء في «مسلم»: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها، وخشوعها، وركوعها؛ إلا كانت كفَّارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة»، وفي الحديث الآخر: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفِّرات لما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائر»، لا يقال: إذا كفَّر الوضوء؛ فماذا تكفِّر الصلاة؟! وإذا كفَّرت الصلاة؛ فماذا تكفِّر الجمعات ورمضان؟! وكذا صيام عرفة يكفِّر سنتين، ويوم عاشوراء كفَّارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه؛ لأنَّا نقول: المراد: أنَّ كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفِّره من الصغائر؛ كفَّره، وإن لم يصادف صغيرة؛ رجي أن يخفف من الكبائر، والله تعالى أعلم. (قال عروة: الآية): هي قوله تعالى: (﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا﴾)، زاد في رواية: (﴿مِنَ البَيِّنَاتِ﴾)، وفي رواية: (﴿مَا أَنزَلْنَا..﴾ ...؛ الآية)؛ أي: التي في سورة (البقرة) إلى قوله: ﴿... اللَّاعِنُونَ﴾، كما صرَّح به مسلم، وقد روى مالك في «الموطأ» هذا الحديث عن هشام بن عروة، ولم يقع في روايته تعيين الآية، فقال من نفسه: (^٤) أراه يريد: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ١١٤]، والصواب: قول عروة؛ يعني: لئلَّا يتكل الناس، فكيف بالنهي عن الكتمان أوجب عليه الحديث؛ مخافة الكتمان؟! والآية وإن كانت نزلت في أهل الكتاب، ولكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، فدخل فيها كل من علَّم علمًا تعبَّد اللهُ العبادَ بمعرفته، ولزمه من تبليغه ما لزم أهل الكتاب منه، ففيه: أن الفرض على العالم تبليغ ما عنده من العلم؛ لأنَّ الله تعالى قد توعَّد الذين يكتمون ما أنزل الله باللعنة، وظاهر الحديث: يدل على أن المغفرة المذكورة لا تحصل إلا بالوصف المذكور وإحسانه والصلاة، وفي «الصحيح» من حديث أبي هريرة: «إذا توضأ العبد المسلم؛ خرجت خطاياه»، ففيه: أن الخطايا تخرج مع آخر الوضوء حتى يفرغ من الوضوء نقيًّا من الذنوب، وليس فيه ذكر الصلاة؛ فيحتمل أن يحمل حديث أبي هريرة عليها، لكن يبعده أنَّ في رواية لمسلم في حديث عثمان: «وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة»، ويحتمل أن يكون ذلك باختلاف الأشخاص، فشخص يحصل له ذلك عند الوضوء، وآخر عند تمام الوضوء، والله تعالى أعلم. (٢٥) [باب الاستنثار في الوضوء] هذا (باب) طلب (الاستنثار في الوضوء)، و(الاستنثار): (استفعال) من النثر؛ بالنُّون والثاء المثلثة، والمراد به: الاستنشاق، كما مر، (ذكره)؛ أي: روى الاستنثار في الوضوء (عثمان)؛ أي: ابن عفان ثالث خلفاء النبي الأعظم ﵇، كما أخرجه المؤلف موصولًا في الباب الذي قبله، (و) رواه أيضًا (عبد الله بن زيد)؛ أي: ابن عاصم، لا صاحب الأذان، كما أخرجه المؤلف موصولًا في باب (مسح الرأس كله)، كما سيأتي، (و) رواه أيضًا (ابن عباس)، كما أخرجه المؤلف موصولًا في باب (غسل الوجه من غرفة)؛ كلهم (عن النبي) الأعظم ﷺ، لكن ليس في حديث ابن عباس ذكر الاستنثار، وكأنَّ المؤلف أشار بذلك إلى ما رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم موقوفًا: (استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثًا)، قاله ابن حجر، واعترضه في «عمدة القاري»؛ حيث قال: ليس الأمر كما ذكره، بل في حديث ابن عباس الذي أخرجه المؤلف ذكر الاستنثار؛ فإنَّ أكثر الروايات فيه ذكر: (واستنثر) بدل (واستنشق)، وقوله: (وكأنَّه أشار...) إلخ، احتمال بعيد على ما لا يخفى، وحديث أبي داود أخرجه ابن ماجه أيضًا، وذكر الخلال عن أحمد أنَّه قال: في إسناده شيء؛ فافهم. [حديث: من توضأ فليستنثر ومن استجمر فليوتر] ١٦١ - وبه قال: (حدثنا عَبْدان)؛ بفتح المهملة، وسكون الموحدة: هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي (قال: أخبرنا عبد الله): هو ابن المبارك (قال: أخبرنا يونس): هو ابن يزيد الأيلي، (عن الزهري): محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو إدريس): عائذ الله؛ بالهمزة، والذال المعجمة، ابن عبد الله الخولاني؛ بالمعجمة، التابعي القاضي بدمشق لمعاوية ﵄، المتوفى بقرية داريا الكبرى من أعمال دمشق سنة ثمانين، وقبره معروف يزار ويتبرك به: (أنَّه سمع أبا هريرة): عبد الرحمن بن صخر ﵁، (عن النبي) الأعظم ﷺ أنَّه قال) وسقط لفظ: (أنَّه) في رواية: (من توضأ) كلمة (من): موصولة تتضمن معنى الشرط، ولهذا دخلت الفاء في جوابه، وهو قوله: (فليستنثر)؛ أي: فليخرج الماء من الأنف بعد الاستنشاق مع ما في الأنف من مخاط، وغبار، ونحوه، وذلك لما فيه من المعونة على القراءة، وتنقية مجرى النفس الذي به التلاوة، وبإزالة ما _________ (^١) في الأصل: (كما). (^٢) في الأصل: (متكثرًا)، ولعله تحريف عن المثبت. (^٣) في الأصل: (لحصل). (^٤) في الأصل:.
هو بالمدِّ والياء المثناة التحتية، ورواه الباجي: (لولا أنَّه)؛ بالنُّون؛ يعني: لولا أنَّ معنى ما أحدثكم به في كتاب الله؛ ما حدثتكم، وفي «المطالع»: قول عثمان: (لولا أنَّه في كتاب الله)؛ بالنُّونفيرواية يحيى، وجماعة معه، وكذا لابن ماهان في «مسلم»، وعند ابن مصعب، وابن وهب، وآخرين من رواية «الموطأ»: (لولا آية)، وهي رواية الجلودي في «مسلم»، وبهذا ظهر بطلان قول ابن حجر: صحَّف بعض رواته (آية)، فجعلها (أنَّه)؛ بالنُّون المشددة، وبهاء الشأن؛ فافهم. وقوله: (ما حدثتكموه): جواب (لولا)، واللام محذوفة منه؛ ومعناه: لولا أنَّ الله تعالى أوجب على من علم علمًا إبلاغه؛ لما (^١) كنت حريصًا على تحديثكم، ولما كنت مكترثًا (^٢) بتحديثكم، (سمعت النبي) الأعظم ﷺ حال كونه (يقول) فالجملة محلها نصب على الحال: (لا يتوضأ)، وفي رواية: (لايتوضَّأنَّ)؛ بنون التوكيد الثقيلة (رجل) ومثله المرأة (فيحسن)، وفي رواية: بدون الفاء؛ أي: يحسن (وضوءه)؛ من الإحسان، ومعنى إحسان الوضوء: الإتيان به تامًّا بصفته، وآدابه، وتكميل سننه، وهو بالرفع عطف على قوله: (لا يتوضأ)، وكلمة الفاء هنا؛ بمعنى (ثم)؛ لأنَّ إحسان الوضوء ليس متأخِّرًا عن الوضوء حتى يعطف عليه بالفاء التعقيبية، وإنَّما موقعها موقع (ثم) التي هي لبيان المرتبة وشرفها، دلالة على أن الإحسان في الوضوء والإجادة فيه من محافظة السنن ومراعاة الآداب أفضل من أداء ما وجب مطلقًا، ولا شك أن الوضوء المحسنَ فيه أعلى رتبة من الغير المحسنِ فيه؛ فليحفظ. (ويصلي الصلاة)؛ أي: المكتوبة، وفي رواية لمسلم: (فيصلي هذه الصلوات الخمس) (إلا غُفِر)؛ بضم الغين المعجمة، مبني للمفعول (له)؛ أي: لا يتوضأ رجل إلا رجل غفر له، فالمستثنى محذوف؛ لأنَّ الفعل لا يقع مستثنى، أو التقدير: لا يتوضَّأ رجل في حال إلا في حال المغفرة، فيكون الاستثناء من أعمِّ عام الأحوال (ما بينه وبين الصلاة)؛ أي: التي تليها، كما صرَّح به مسلم في رواية هشام بن عروة (حتى يصليها)؛ أي: يفرغ منها، ولفظة: (حتى) غاية لحصول (^٣) المقدَّر العامل في الظرف؛ لأنَّ الغفران لا غاية له، وقال ابن حجر: (معناه: أن يشرع في الصلاة الثانية)، وردَّه في «عمدة القاري»؛ حيث قال: وهذا معنى فاسد؛ لأنَّ قوله: «ما بينه وبين الصلاة»: يحتمل أن يراد به بين الشروع في الصلاة وبين الفراغ منها، ولمَّا كان المراد الفراغ منها؛ أشار عليه بقوله: «حتى يصليها»، ولهذا لم يكتف بقوله: «بين الصلاة»؛ لأنَّه لا يغني عن ذكر «حتى يصليها»؛ لما ذكرنا، انتهى، وتمامه في «كشف الحجاب عن العوام»، ثم قال في «عمدة القاري»: والمراد بهذا وأمثاله غفران الصغائر، كما سبق، وجاء في «مسلم»: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها، وخشوعها، وركوعها؛ إلا كانت كفَّارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة»، وفي الحديث الآخر: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفِّرات لما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائر»، لا يقال: إذا كفَّر الوضوء؛ فماذا تكفِّر الصلاة؟! وإذا كفَّرت الصلاة؛ فماذا تكفِّر الجمعات ورمضان؟! وكذا صيام عرفة يكفِّر سنتين، ويوم عاشوراء كفَّارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غفر له ما تقدم من ذنبه؛ لأنَّا نقول: المراد: أنَّ كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفِّره من الصغائر؛ كفَّره، وإن لم يصادف صغيرة؛ رجي أن يخفف من الكبائر، والله تعالى أعلم. (قال عروة: الآية): هي قوله تعالى: (﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا﴾)، زاد في رواية: (﴿مِنَ البَيِّنَاتِ﴾)، وفي رواية: (﴿مَا أَنزَلْنَا..﴾ ...؛ الآية)؛ أي: التي في سورة (البقرة) إلى قوله: ﴿... اللَّاعِنُونَ﴾، كما صرَّح به مسلم، وقد روى مالك في «الموطأ» هذا الحديث عن هشام بن عروة، ولم يقع في روايته تعيين الآية، فقال من نفسه: (^٤) أراه يريد: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ١١٤]، والصواب: قول عروة؛ يعني: لئلَّا يتكل الناس، فكيف بالنهي عن الكتمان أوجب عليه الحديث؛ مخافة الكتمان؟! والآية وإن كانت نزلت في أهل الكتاب، ولكن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، فدخل فيها كل من علَّم علمًا تعبَّد اللهُ العبادَ بمعرفته، ولزمه من تبليغه ما لزم أهل الكتاب منه، ففيه: أن الفرض على العالم تبليغ ما عنده من العلم؛ لأنَّ الله تعالى قد توعَّد الذين يكتمون ما أنزل الله باللعنة، وظاهر الحديث: يدل على أن المغفرة المذكورة لا تحصل إلا بالوصف المذكور وإحسانه والصلاة، وفي «الصحيح» من حديث أبي هريرة: «إذا توضأ العبد المسلم؛ خرجت خطاياه»، ففيه: أن الخطايا تخرج مع آخر الوضوء حتى يفرغ من الوضوء نقيًّا من الذنوب، وليس فيه ذكر الصلاة؛ فيحتمل أن يحمل حديث أبي هريرة عليها، لكن يبعده أنَّ في رواية لمسلم في حديث عثمان: «وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة»، ويحتمل أن يكون ذلك باختلاف الأشخاص، فشخص يحصل له ذلك عند الوضوء، وآخر عند تمام الوضوء، والله تعالى أعلم. (٢٥) [باب الاستنثار في الوضوء] هذا (باب) طلب (الاستنثار في الوضوء)، و(الاستنثار): (استفعال) من النثر؛ بالنُّون والثاء المثلثة، والمراد به: الاستنشاق، كما مر، (ذكره)؛ أي: روى الاستنثار في الوضوء (عثمان)؛ أي: ابن عفان ثالث خلفاء النبي الأعظم ﵇، كما أخرجه المؤلف موصولًا في الباب الذي قبله، (و) رواه أيضًا (عبد الله بن زيد)؛ أي: ابن عاصم، لا صاحب الأذان، كما أخرجه المؤلف موصولًا في باب (مسح الرأس كله)، كما سيأتي، (و) رواه أيضًا (ابن عباس)، كما أخرجه المؤلف موصولًا في باب (غسل الوجه من غرفة)؛ كلهم (عن النبي) الأعظم ﷺ، لكن ليس في حديث ابن عباس ذكر الاستنثار، وكأنَّ المؤلف أشار بذلك إلى ما رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم موقوفًا: (استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثًا)، قاله ابن حجر، واعترضه في «عمدة القاري»؛ حيث قال: ليس الأمر كما ذكره، بل في حديث ابن عباس الذي أخرجه المؤلف ذكر الاستنثار؛ فإنَّ أكثر الروايات فيه ذكر: (واستنثر) بدل (واستنشق)، وقوله: (وكأنَّه أشار...) إلخ، احتمال بعيد على ما لا يخفى، وحديث أبي داود أخرجه ابن ماجه أيضًا، وذكر الخلال عن أحمد أنَّه قال: في إسناده شيء؛ فافهم. [حديث: من توضأ فليستنثر ومن استجمر فليوتر] ١٦١ - وبه قال: (حدثنا عَبْدان)؛ بفتح المهملة، وسكون الموحدة: هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي (قال: أخبرنا عبد الله): هو ابن المبارك (قال: أخبرنا يونس): هو ابن يزيد الأيلي، (عن الزهري): محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو إدريس): عائذ الله؛ بالهمزة، والذال المعجمة، ابن عبد الله الخولاني؛ بالمعجمة، التابعي القاضي بدمشق لمعاوية ﵄، المتوفى بقرية داريا الكبرى من أعمال دمشق سنة ثمانين، وقبره معروف يزار ويتبرك به: (أنَّه سمع أبا هريرة): عبد الرحمن بن صخر ﵁، (عن النبي) الأعظم ﷺ أنَّه قال) وسقط لفظ: (أنَّه) في رواية: (من توضأ) كلمة (من): موصولة تتضمن معنى الشرط، ولهذا دخلت الفاء في جوابه، وهو قوله: (فليستنثر)؛ أي: فليخرج الماء من الأنف بعد الاستنشاق مع ما في الأنف من مخاط، وغبار، ونحوه، وذلك لما فيه من المعونة على القراءة، وتنقية مجرى النفس الذي به التلاوة، وبإزالة ما _________ (^١) في الأصل: (كما). (^٢) في الأصل: (متكثرًا)، ولعله تحريف عن المثبت. (^٣) في الأصل: (لحصل). (^٤) في الأصل:.
1 / 62