فقالت فدوى: أيستحق هذا الخائن غير القتل، وقد أبدى لك ما أبداه من الشر والعدوان.
قال شفيق: أي فضل للعاقل على الجاهل إذا عامل الجهل بالجهل، والشر بالشر، وما الانتقام إلا شأن الضعيف الساقط. وهذا المسكين قد نال ما جنت يداه، فأصيب بما استحق، ولو استحق الموت لكانت الضربة هي القاضية، وفوق ذلك فهو جريح يقاسي من الآلام وتبكيت الضمير ما يكفيه جزاء، فإذا شفي فبإرادة الله، وإن قضى فمن الله جزاؤه.
فقالت: لا تزال تسعى إلى الإبقاء عليه وشفائه، وأنا لا أرى إلا الموت جزاء له!
فقال: الموت والحياة يا عزيزتي بيد الله، وما نحن إلا عبيد ضعفاء عرضة للغلط والتهور. وقد رأيت هذا الشاب يترامى على رجلي ليقبلهما وهو فيما علمت من ألم الجرح، وقد أصيب من تبكيت الضمير بما يكفيه، ومع ذلك فالشهامة تأمر بالعفو عند المقدرة.
قالت: ولكني أطلب إليك بحق المحبة ألا تبقي عليه، وإلا فاسمح أن يعالج جرحه في غير هذا البيت.
فقال شفيق متبسما: إن أمرك يا سيدتي مطاع، ولكني أذكرك أمرا واحدا؛ وهو أنني قد صرت من رجال الجهادية عرضة للرصاص في الحروب، وحياتي دائما في خطر، فلو بلغك يوما أنني أصبت برصاصة ولم ألق نصيرا ولا شفوقا ينقذني ويعالجني، فماذا يكون حالك حينئذ؟ وكيف يكون قلبك؟
فارتعدت فرائص فدوى لكلام شفيق كأنه حقيقي، ومسحت دموعها وقالت: بمن تتشبه يا شفيق، إن ذلك خائن لئيم.
فقال: إن البشر ضعفاء يا عزيزتي، ومن منا يا ترى معصوم من الغلط؟ وقيل إن من أقر بذنبه لا ذنب عليه. فهذا المسكين أقر واستغفر، ونال ما استحق من القصاص.
وبينما هما يتحدثان كان الباشا ينظر إلى شفيق معجبا بكرم أخلاقه، فقال: لله درك يا ولدي، ما أكبر نفسك! وما أظهر دلائل الفضل عليك! فافعل ما بدا لك؛ لئلا يقال فقدت المروءة أهلها.
فقال: سيدي، عفوا، لم أقصد إبداء رأي لدى سعادتك، فلك الأمر والنهي، غير أني أظن أنه يحسن بقاء عزيز تحت المعالجة، وبعد ذلك فالأمر لسعادتك.
Página desconocida