Los discursos más famosos y los oradores más célebres
أشهر الخطب ومشاهير الخطباء
Géneros
ألا أقص عليكم إخواني شيئا مما تبين من محاكمة المتهمين بالفتنة التي جرت منذ شهرين في بلدة منسوليمين بوطن الفرنسيس: تبين من تلك المحاكمة أن أصحاب المعدن في تلك البلدة (والبلدة عبارة عن المعدن والعاملين فيه) كانوا إذا رأوا من أحد الفعلة فتورا في العبادة، أو ضعفا في العقيدة التي يعتقدون، ضربوا عليه الغرامة أجرة يوم أو يومين وما فوق، وإذا ظهر عليه انحلال العقيدة طردوه من المعمل رأسا؛ أي حكموا عليه بالفاقة وعلى عياله بالجوع، وإذا مات ذلك المنحل العقيدة فشيعه صاحب له من رفقاء أتعابه إلى القبر، عاقبوا المشيع بمثل هذا العقاب وهم هم في البلد الذي افتدى أهله بدمائهم حرية السعي وحرية الرأي وحرية القول، فما الظن بغيرهم من أهل سائر الأقطار؟ وما الظن بنا نحن الذين كان من نعم الله علينا أن وجدت بلادنا المقدسة مهبطا للوحي ومقاما للعقائد الدينية من عهد موسى صلوات الله عليه إلى هذه الأيام؟
بل ما الظن بنا ونحن أحرص الناس على تعاليم السلف الكرام فيما لا يمس جانب النفع الأدبي ولا يتصل بطرف الفائدة الحسية، حتى إن معارف علمائنا في هذه الحقبة لتشاكل بالحرف معارف آبائهم من ثلاثمائة عام وتنحط بالضعف عما كانت عليه معارفهم من ألف عام؟ وما الظن بنا ومثلي متكلما بهذا الموضوع في مثل هاته الجمعية الزاهرة، يخاف معاذ الله ألا يجد لديكم استحسانا؟ لا جرم أنا أسعد خلق الله في أسعد بلاد الله، فالحمد لله ثم الحمد لله.
وقد سبق القول في حد التساهل أنه رضا المرء برأيه اعتقاد الصحة فيه مع احترامه لرأي سواه، وهذا وإن كان من الواجبات البديهية، والقضايا المسلمة عند ذوي العرفان، إلا أنه لسوء الحظ كغيره من سائر الواجبات ترشد الحكمة إليه ، ولكن تغلب الشهوة عليه، حتى لا يكاد يوجد في الإنسان إلا عند العجز عن مجاوزة حده، لمجاوزة ضده، فهو كالحرية يشتاقها الإنسان مرءوسا، وينكرها رئيسا، وكالزهادة يقبلها سقيما وينبذها معافى سليما، فلا يثبت على تغير الأحوال إلا عند ذوي النفوس الكريمة والطباع القويمة وما هم بكثير.
فلكم رأينا من فئة مستضعفين يطلبون التساهل ويدعون إليه بكل لسان يثبتون له الوجود من كل الوجوه، فلما أن قامت دولتهم، وقويت شوكتهم، وصار إليهم الأمر والقوة، كانوا من الغلاة المتعصبين. وهذه تواريخ العقائد الدينية والمذاهب الفلسفية والطرائق السياسية فيما تعاقب عليها من القوة والضعف والقبول والرفض شاهدة بصحة ما أقول، لا يقف النظر على صفحة منها إلا رأى المتساهل في ضعفه، متعصبا يوم قوته، والمتلاين في حال خسفه، متشددا في دولته؛ ولذلك لم يرض الحكماء من التساهل بأن يكون صادرا من اللسان مراعاة لأحكام الضرورة أو من عاطفة القلب ميلا إلى المعاملة بالإحسان، بل أوجبوا فيه الاعتقاد بتحتمه على الإنسان علما منهم بأنه يكون في الحالة الأولى متعلق الوجود ببقاء تلك الضرورة، والضرورات قابلة الزوال، وفي الحالة الثانية يتوقف البقاء على وجود تلك العاطفة والعواطف لا تستقر على حال. ومثل هذا الواجب الأدبي الحق لا ينبغي أن يناط بهاته الأسباب الواهية، وتلك العرى القريبة الانحلال، وإنما اللازم فيه تقييده بمبدأ متين من الحق، وتأييده بعماد مكين من اليقين، بحيث يعلم مع مخالفيه فيما يظهرون من آرائهم، وما يعلنون من مذاهبهم، أنه لا يفعل ذلك رهبة منهم إن كانوا أقوياء، ولا شفقة عليهم إن كانوا ضعفاء، ولكن قياما بواجب من العدل والحق.
قال أحد كتاب الفرنسيس في هذا الموضوع ما معناه: «وجب التساهل على الإنسان من ثلاث جهات: من جهة نفسه، ومن جهة أبناء جنسه، ومن جهة الحقيقة - والحقيقة هي الله.»
فأما من جهة النفس فلأنه من واجباتنا الأدبية التماس العلم والحكمة في أي وعاء خرجا، وإصلاح ما عسانا أن نكون عليه من الخطأ. وكيف يحصل لنا ذلك إن سددنا أفواه الناطقين ظلما واستبدادا ، ولم نسمع ما يقولون لننظر في أقوالهم، فنتم آراءنا بآرائهم؟ قال فيكتور هيكو:
كل إنسان كتاب
يكتب الله سطوره
ويقول العاجز:
وكذا البحث زناد
Página desconocida