وكادت تميد الأرض بالناس إذ رأوا ... لعمرو بن هند غضبة وهو عاتب
هو الشمس وافت يوم سعد فأفضلت ... عل كل ضوء والملوك كواكب
قال الأصمعي: فكأني والله ألقمت جعفرًا حجرًا فاهتز الرشيد فوق سريره وكاد يطير عجبًا وطربًا. وقال: والله لله درك يا أصمعي اسمع الآن ما كان عليه اختياري ليقل أمير المؤمنين فقال عينت على ثلاثة أشعار أقسم بالله أني أملك السبق بأحدها ثم قال الرشيد أتعرف يا أصمعي تشبيهًا أفخر أو أعظم في أحقر مشبه وأصغره في أحسن معرض من قول عنترة الذي لم يسبقه إليه سابق ولا نازعه منازع ولا طمع في مجاراته طامع حين شبه ذباب الروض العازب في قوله:
وخلا الذباب بها فليس مبارح ... غردا كفعل الشارب المترنم
هزجا يحك ذراعه بذراعه ... فعل المكب على الزناد الأجذم
ثم قال: يا أصمعي هذا من التشبيهات العقم التي لا تنتج، فقلت كذلك هو يا أمير المؤمنين وبمجدك آليت ما سمعت قط أحدًا يصف شعره بأحسن من هذه الصفة ولا استطاع بلوغ هذه الغاية فقال مهلًا لا تعجل.. أتعرف أحسن من قول الحطيئة يصف لغام ناقته أو تعلم أحدًا قبله أو بعده شبه تشبيهه، حيث يقول:
ترى بين لحييها إذا ما ترغمت ... لغامًا كنسج العنكبوت الممدد
فقلت والله ما علمت أحدًا تقدمه إلى هذا التشبيه، أو أشار إليه بعده ولا قبله قال أتعرف بيتًا أبدع وأوقع من تشبيه الشماخ لنعامة سقط ريشها وبقي أثره في قوله:
كأنما منثنى أقماع ما مرطت ... من العفاء بليتيها الثآليل
فقلت ولا والله يا أمير المؤمنين، فالتفت إلى يحيى، فقال أوجب؟ فقال وجب، ويؤخذ على النابغة بعض مبالغات في معانيه كقوله:
إذا ارتعثت خاف الجبان رعاثها ... ومن يتعلق حيث علق يفرق
وكقوله: تقد السلوقى المضاعف نسجه=وتوقد بالصفاح نار الحباحب فقد ذهب إلى أن سيفه يقطع الدرع المضاعف والفارس والفرس ثم يذهب في الحجارة فيقدح فيها الشرر. ويؤخذ عليه قوله:
وكنت امرأ لا أمدح الدهر سوقه ... فلست على خير أتاك بجاحد
فتراه يمتن على ممدوحه بمدحه إياه، وجعله خيرًا أتاه ولا يحسد عليه، وإنما يحسن الثناء إذا كان خالصًا من كل وجه.
وأخذوا عليه الخنونة في بعض معانيه، كقوله:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد
- ١ - قال النابغة الذبياني يمدح النعمان ويعتذر إليه:
يا دار مية بالعلياء فالسند ... أفوت وطال عليها سالف الأبد
وقفت فيها أصيلانا أسائلها ... عيت جوابًا وما بالربع من أحد
إلا الأوارى لأيًا ما أبينها ... والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد
ردت عليه أقاصيه ولبده ... ضرب الوليدة بالمسحاة في الثأد
خلت سبيل أني كان يحبسه ... ورفعته إلى السجفين فالنضد
أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا ... أحنى عليها الذي أحنى على لبد
فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له ... وانم القتود على عيرانة أجد
مقذوفة بدخيس النحض بازلها ... له صريف صريف القعو بالمسد
كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... يوم الجليل على مستأنس وحد
من وحش وجرة موشى أكارعه ... طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد
فظل يعجم أعلى الروق منقبضًا ... في حالك اللون صدق غير ذي أود
لما رأى واشق إقعاص صاحبه ... ولا سبيل إلى عقل ولا قود
قالت له النفس إني لا أرى طمعًا ... وإن مولاك لم يسلم ولم يصد
فتلك تبلغني النعمان إن له ... فضلًا على الناس في الأدنى وفي البعد
أسرت عليه من الجوزاء سارية ... تزجى الشمال عليه جامد البرد
فارتاع من صوت كلاب فبات له ... طوع الشوامت من خوف ومن صرد
فبثهن عليه واستمر به ... صمع الكعوب بريات من الحرد
وكان ضمران منه حيث يوزعه ... طعن المعارك عند المحجر النجد
شك الفريصة بالمدرى فأنفذها ... طعن المبيطر إذ يشفى من العضد
كأنه خارجًا من جنب صفحته ... سفود شرب نسوه عند مفتأد
ولا أرى فاعلًا في الناس يشبهه ... ولا أحاشى من الأقوام من أحد
إلا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فاحددها عن الفند
1 / 32