رحل برسيوس وظل يضرب في الأرض مسافات بعيدة، حتى وصل إلى منطقة منعزلة تعيش فيها الشقيقات الثلاث. فتسلل في هدوء إلى الكهف الذي اعتدن المجيء إليه في وقت الظهر عند اشتداد القيظ، وتختص أولئك الشقيقات بأمر غريب منذ ولادتهن، فلهن عين واحدة يتناوبن النظر بها فيما بينهن، يمررنها من أخت إلى أخرى لترى بها مدة معينة. وفي الوقت الذي تمرر فيه إحداهن العين إلى أختها، يكون الجميع عمياوات.
كمن برسيوس في ركن من ذلك الكهف ينتظر مجيئهن، فلما جئن واسترحن، قالت إحداهن: «هيا يا أختاه، لقد انتهت مدتك، فأعطني العين.»
نزعت الأخت العين من رأسها، وأمسكتها بيدها؛ لتقدمها إلى أختها. في تلك اللحظة مد برسيوس يده، وخطف العين من يدها.
فصاحب الأخت الثانية: «أين العين؟»
عندئذ تكلم برسيوس وقال: «العين معي.»
ارتجفت الشقيقات الثلاث عند سماع صوته، وتوسلن إليه أن يعيد العين إليهن. فأخبرهن بأنه سيعيد العين إليهن عن طيب خاطر إن منحنه أمنية، فرفضن إجابة رغبته في بادئ الأمر، ولكنه هددهن بالانصراف، وتركهن عمياوات إلى الأبد. فأدركن أنه لا خيار لهن، وعلى ذلك كشفن لبرسيوس عن مخبأ الجورجونات، وأخبرنه بموضع حوريات البحر اللائي سيعطينه الأشياء الثلاثة التي يحتاج إليها، وهي خوذة بلوتو التي تجعله غير مرئي، فتحجبه عن الأنظار، وزوج من النعال المجنحة تمكنه من الطيران بسرعة الريح، ومخلاة ليضع فيها رأس ميدوسا بعد قطعه، وزودته حوريات البحر بنصائح أخرى عظيمة النفع.
بعد ذلك قدم إليه ميركوري مساعدة قيمة، فأعطاه منجلا حادا جدا؛ ليحز به رأس ميدوسا. وهكذا تزود برسيوس بكل ما يلزمه لمعركته المقبلة. فطار بسرعة حتى بلغ جزيرة صخرية في وسط مجرى أوقيانوس، أرضها مغطاة بأعشاب كثيفة كريهة الرائحة، ضارة وعفنة، بينما تسعى الأفاعي القاتلة في كل مكان فوق أرضها. أما الجورجونات فيقمن في مغارة بوسط تلك الجزيرة، وعندما وصل إليهن برسيوس كن نائمات، لم يجرؤ على النظر إليهن مباشرة، بل نظر إلى صورتهن المنعكسة في الدرع المصقولة التي كان يحملها. أمكنه التعرف على ميدوسا؛ لأنها أصغر حجما من شقيقتيها. فأمسك الدرع أمامها، وفصل رأسها بضربة واحدة من المنجل، ووضعه في المخلاة، وطار في سرعة البرق. ما كاد يفعل ذلك حتى استيقظت الجورجونتان الأخريان، فأدركتا مقتل شقيقتيهما. فصرختا غاضبتين، وخرجتا تبحثان عن قاتلها، فلم تبصراه؛ لأن خوذة بلوتو جعلته غير مرئي وهو طائر، وبذا وصل إلى بر الأمان.
إنقاذ أندروميدا
ظل برسيوس يطير لعدة أيام، حتى وصل أخيرا إلى دولة في أثيوبيا يحكمها الملك كيفيوس، وتصادف في ذلك الوقت أن كانت البلاد كلها في حزن بالغ. فقبيل ذلك أخذت كاسيوبيا ملكة كيفيوس تزهو بجمالها، وتمادت في غرورها بأن قالت إنها أعظم جمالا من النيريديات، فغضبت أولئك الحوريات، وطلبن من نبتيون أن يعاقبها، فأجاب نبتيون طلبهن، وأرسل وحشا بحريا ضخما اجتاح البلاد، وعاث فيها تدميرا وتقتيلا، ملتهما كلا من الناس والماشية.
لما يئس الملك استشار وحيا عما يجب عليه أن يفعله؛ لدرء ذلك الخطر، فقيل له إنه لا شيء يزيل غضب الحوريات اللاتي أهينت كرامتهن سوى التضحية بابنته أندروميدا لذلك الوحش.
Página desconocida