تأليف
أمين سلامة
«عظيمة هي الأساطير في نظر الشخص النبيل.»
مقدمة
إذا رجع الإنسان بمخيلته إلى بدايات الزمن الغامضة وجد أنه إذا لم تنر الديانة الحقيقية ذهن الإنسان، ولم تفسر له العلوم الأشياء ونشأتها، فإنه قد يلاحظ مولد ما نسميه بالأساطير.
ففي ظلام الغابات الدامس، وعلى السهول التي تسطع عليها الشمس بنورها، وفي الكهوف التي قلما كانت تحمي ساكنيها من هجوم النمور الحادة الأنياب أو الدببة العملاقة، وفي البيوت الطافية بغير أمان فوق مياه البحيرات، وفي أعماق الأدغال الرطبة، وعلى سفوح الجبال، وعلى سواحل البحار، وفي كل مكان، نظر الإنسان إلى العالم الخطر الغامض، وتأمل في أموره.
فسأل الإنسان نفسه: «من أين تأتي الشمس؟ وما هي هذه الشمس؟» وأجاب على هذا السؤال بقوله: «الشمس قارب (أو عربة) يجلس فيه الإله المتألق المبهر، ويقوده عبر السماء.» ولما حيره القمر، فسر الإنسان الأول ذلك المضيء الأبيض بالتفكير فيه كقارب آخر، أو عربة أخرى تجلس فيها شقيقة إله الشمس.
وتساءل الإنسان: «ماذا يكمن وراء رعب الرعد والبرق؟» ولكي يحل غوامض هذا اللغز، وصل إلى صورة إله عظيم يجلس على عرش في السماء، وصوته هو الرعد، ورسوله هو البرق. فإذا ما هاج البحر في عواصف مدمرة، فذلك سببه غضب إله الأمواج ذي الشعر الأزرق، وإذا ما أنتجت الحبوب والأشجار بذورا، كانت الأم الأرض كريمة. وإذا جاء القحط والمجاعات؛ فذلك بسبب غضبها، وعندئذ يجب استرضاؤها بالذبائح والصلاة.
حير كثير من الأسئلة الأخرى سكان الأرض البدائيين؛ أصل النار، والشكل الذي جاء به مختلف أنواع الحيوان والنبات، وأسباب رفاهية بعض الناس، وشقاء البعض الآخر، وطبيعة الموت، ومسألة العالم الآخر.
ولكي يجيب قدامى الناس في تلك العصور على هذه الأسئلة، كونوا الأساطير، الأساطير التي يضمها هذا الكتاب، وكثيرا غيرها. وظلت هذه الأساطير طوال عصور مديدة، غير مكتوبة، يتلقاها الابن عن أبيه شفويا، وينقلها الجيل إلى الجيل التالي بالكلمة المنطوقة بالفم، وفي معظم الأحوال كان يتناولها الكثير من التغييرات على يد من تسلموها. ويستطيع القصاص الماهر أو الشاعر ذو الخيال الخصب أن يضيف إليها بعض اللمسات هنا وهناك، يتقبلها الناس في بيئته بصدر رحب. وهكذا يحدث عادة أن مختلف روايات الأسطورة الواحدة التي تروى في عدة أماكن مختلفة، بصور يختلف كل منها عن الآخر. وأحيانا يتناول شاعر عظيم، مثل هوميروس، أسطورة ما، ويرويها بطريقته الخاصة، وبعد ذلك تغدو روايته تلك هي ما يتقبله كل فرد، وبواسطة أمثال أولئك الشعراء العظام، سرعان ما وصلت الأساطير أخيرا إلى مرحلة تدوينها.
Página desconocida