كان يعيش في بوغاز الهلسبونت شاب اسمه لياندر، يقع بيته في مدينة أبيدوس قبالة بيت فتاة تدعى «هيرو» في مدينة سيستوس. وكانت هذه الفتاة بارعة الجمال، حتى قيل إن أبولو وكيوبيد أنفسهما طلبا يدها، ولكن أجيب طلبهما بالرفض.
كانت هيرو تخدم فينوس ككاهنة، وحدث ذات يوم أن جاء لياندر إلى سيستوس؛ لتقديم فروض التعظيم للربة فينوس، فأبصر هيرو، كما وقع بصر هيرو عليه في نفس اللحظة، وعلى الفور، وقع كل منهما في غرام الآخر من أول نظرة. غير أن والدي هيرو رفضا طلب لياندر يد هيرو، رفضا باتا. ليس هذا فحسب، بل وحرما على هذين الشابين أن يرى أيهما الآخر.
ورغم كل هذا، لم يكن من السهل منعهما اللقاء، فاتفقا على إشارات سرية فيما بينهما تيسر لهما أن يتقابلا في جنح الظلام بعيدا عن عيون الرقباء. اتفقا على أنه عندما يكون الجو خاليا أن تعلق هيرو، بالليل، فانوسا فوق قمة برج المعبد، وعندئذ يسبح لياندر بوغاز الهلسبونت مهتديا بنور الفانوس، ليلتقي بها مدة ساعة أو ساعتين قصيرتين، ثم يعود أدراجه إلى بيته، ولكن شاءت المقادير أن تهب عاصفة هوجاء في إحدى الليالي، بعد أن خرج لياندر في رحلته الخطرة للقاء هيرو. وسرعان ما أطفأت الرياح الشديدة الفانوس الذي يقود لياندر إلى طريقه نحو المعبد، فضل لياندر وجهته، وبدلا من أن يسبح إلى بر الأمان، استمر يعوم نحو عرض البحر المائج الهائج. كانت العاصفة أشد مما يقوى على احتماله فهلك. وفي الصباح التالي جرفت الأمواج جثة لياندر إلى الشاطئ أمام المعبد تماما، وتحت قدمي هيرو التي كانت تنتظر حبيبها في لهفة، وهي تتطلع إلى البحر في كل اتجاه؛ خشية أن يكون قد أصابه مكروه وسط البحر العاصف، ولكنها أبصرت الجثة أمامها مباشرة، فبخعها الحزن، فألقت بنفسها في اليم، فابتلعها وغرقت.
بيراموس وثيسبي
كان في بابل شاب اسمه بيراموس يشتهر بمنظره الوسيم. كما كانت بها فتاة تدعى ثيسبي، اعتبرها القوم هناك أجمل عذراء في المدينة كلها، وذلك في عهد الملكة سميراميس. أقام هذان الشخصان منذ طفولتهما في بيتين متجاورين. ولما كبرا ودخلا في طور الشباب، تحولت صداقتهما إلى حب شديد.
غير أن والديهما لم يوافقوا على زواجهما، وحرموا عليهما كل اتصال بينهما، فلم يتمكنا من التحدث معا إلا بالإشارات واللحاظ فحسب. ولكنهما اكتشفا ذات يوم شقا في الحائط الفاصل بين بيتهما مكنهما من التحدث همسا من خلاله كلما سنحت لهما فرصة، فيبث كل منهما صاحبه ما يعتمل في قلبه من لواعج الحب والوفاء المستديمين.
وأخيرا لم يطيقا الانفصال أكثر من ذلك، فاتفقا على أن يلتقيا معا في إحدى الأمسيات، عندما يخيم الظلام، تحت شجرة توت خارج سور المدينة مباشرة. فذهبت ثيسبي إلى مكان اللقاء قبل حبيبها، فإذا بها، وهي تقترب من الشجرة، تجد أمامها لبؤة مفزعة تكشر عن أنيابها. فصرخت الفتاة، وأطلقت العنان لقدميها؛ فرارا من تلك اللبؤة. وفي ارتباكها وعجلتها، سقط منها خمارها وهي تجري، غير أن اللبؤة لم تحاول مطاردتها، وإنما أمسكت بالخمار في فمها المضرج بالدم، ثم تركته. وبعد مدة غير طويلة غادرت المكان، وانطلقت نحو غابة مجاورة.
في تلك اللحظة نفسها أقبل بيراموس إلى الملتقى، فأبصر خمار حبيبته على الأرض ملوثا بالدماء، فاستولى عليه خوف شديد، وصاح يقول: «لقد قتلت ثيسبي، ولكنها لم تمت وحدها!» وبمجرد أن نطق بهذه الألفاظ، استل حسامه وأغمده في جنبه، فسقط على الأرض يتخبط في دمائه. وبينما هو يلفظ آخر أنفاسه، جاءت ثيسبي وقد هزمت فزعها؛ لتحذر بيراموس من الخطر الذي ينتظره، ولكن سبق السيف العذل. فلما رأت ما حدث، بحثت عن مهرب من حياتها التي ما عادت لها قيمة، ولا فيها أية بهجة لها، فكان نفس الحسام الذي قتل حبيبها هو وسيلة موتها. فصعد الدم المختلط من دميهما فوق جذع شجرة التوت، وخضب ثمارها باللون الأرجواني الداكن. وهكذا ظلت ثمار التوت مصبوغة بذلك اللون، حتى يومنا هذا؛ تخليدا لذكرى هذين العاشقين.
الباب الخامس
قصص أبولو
Página desconocida