وأسطورة ديدون فينيقية مغربية تبتدئ في صور وتنتهي في قرطاجنة، واسم ديدون الأصلي عليشار وليس «ديدون» ومعناه «الهاربة أو اللاجئة» إلا لقبا لها لقبت به بعد فرارها من صور على أثر فتك أخيها بغماليون بزوجها سيشاربعل.
وفي قتل بغماليون لسيشاربعل قولان: أحدهما أن سيشاربعل كان ذا ثروة عظيمة فطمع فيها بغماليون وقتله ليستأثر بها. والقول الثاني أن بغماليون كان مهملا شئون المستعمرات الفينيقية في أفريقية، ولم يكن يهتم بتدارك الاستعمار اليوناني في تلك الأصقاع، الذي كان يزاحم صور، سيدة التجارة والبحار في ذاك العهد، في مستعمراتها الأفريقية ويهدد تجارتها في جنوب أوروبا، ونفوذها الأدبي والفني، فرأى سيشاربعل، وهو أكبر كهنة ملكرت وأول شخص في المدينة بعد الملك، أن في عمل بغماليون هذا خيانة لمصالح صور وتفريطا فيها، فألف حزبا من الغاضبين على سياسة بغماليون، ودعاهم إلى تأسيس مركز قومي في الشمال الأفريقي من المغرب ليكون قاعدة تحمي السواحل، فعرف بغماليون بذلك وتوقع شرا، فدس من رجاله من اغتال بعض رجال الحزب المعارض، ثم اغتال صهره زعيم المعارضة، فتزعمت زوجته عليشار الحزب وفرت بأصحابها وأموال زوجها وأموال مبعد ملكرت، ونزلت في بروجيتانه، قرب تونس، في مكان يعرف اليوم بدوار الشط، وبنت حصن برسا على تلال جون البحر ، وعلى مقربة من أوتيكا لتزاحمها وتنتزع منها السيادة، فكان ذلك الحصن نواة لقرطاجنة، ولكن عليشار لم تتمتع بثمرة عملها العظيم؛ لأن يارباس، ملك جيتول وزعيم القبائل البربرية، أراد الزواج بها فأبت وقتلت نفسها تخلصا منه.
وقد زعم فرجيل الشاعر اللاتيني أن ديدون انتحرت حزنا لفراق حبيبها إنياس الأمير الطروادي، وذاك أن إنياس بن أنخيز وفينوس، إلهة الجمال والحب، فر بعد سقوط طروادة بيد الإغريق، مع جماعة من الطرواديين فتقاذفت سفنهم العواصف حتى قذفت بهم إلى شواطئ قرطاجنة، فذهب إنياس إلى بلاط ديدون يستأذنها البقاء في أرضها إلى أن تجتمع سفنه التي بعثرتها العواصف فيرحل عنها، فأخذت ديدون بجماله وبطولته وأحبته، وعطفت جونون ربة الأولمب على حبها، فأخرجتهما معا إلى الصيد، ثم فجأتهما بعاصفة شديدة فلجآ إلى مغارة، وهناك باركت جونون زواجهما.
لكن فينوس أم إنياس لم ترض عن هذا الزواج؛ لأنها كانت تخشى أن يبقى ابنها في قرطاجنة، وهي تعده لإنشاء الشعب اللاتيني العظيم، فشكت أمرها إلى والدها جوبيتر، فأرسل ابنه مركور فحول فكر إنياس عن حب ديدون، وبين له عظم الرسالة التي سوف تتم على يديه، فأبحر إنياس، على دموع ديدون وتوسلاتها، قاصدا إلى إيطاليا، فنزل بديدون حزن شديد أدى بها إلى الانتحار. وفي زعم فرجيل هذا كذب على التاريخ بثلاثمائة سنة ونيف، فإن الدكتور شوش ديدلبرغ بعد درسه زمان كسوف الشمس الذي وصفه هوميروس في إنياذته، ومقابلته إياه بأزمنة الكسوفات التي تعاقبت بعده، تمكن من تحديد بداية حرب طروادة في سنة 1197ق.م. ونهايتها بسقوط المدينة في يد الإغريق في سنة 1187، في حين أن بناء قرطاجنة كان بين سنة 860 و883، ولا يمكن أن يكون إنياس قد عاش هذا العمر الطويل، إلا إذا كانت أمه فينوس قد منحته الخلود، وهذا لا أثر له في الميثولوجية اليونانية.
المعجم
صور:
لفظة فينيقية معناها الصخرة، ويزعمون أن صور بنيت سنة 1252ق.م. ويقول المؤرخ اللاتيني جوستين: إن الصيدونيين الذين كانوا يحاربون في طروادة بنوها بعد رجوعهم إلى بلادهم.
قرطاجنة:
بنيت سنة 883ق .م. على الشاطئ الغربي من تونس الحالية على أنقاض مدينة صيدونية قديمة كان اسمها غامبه، في صدر جون عرف قديما بجون قرطاجنة، ويعرف اليوم بجون تونس، ويقول بعض المستشرقين: إن اسمها الفينيقي «قريتا حادت»، ومعناه «القرية الحديثة»، ويرجح الأب يوحنا شديد الكاهن الماروني العالم باللغات الشرقية أن اسمها الفينيقي «قريتا جنتا» ومعناه «قرية الجنات»؛ سميت به لكثرة ما هناك من جنان وبساتين، بدليل أن تونس تلقب من أجل ذلك ب «الخضراء»، وقد سماها اليونان «كارشيدون»، وسماها الرومان «قرطاجنة» وهذا الاسم تبناه العرب.
الملك الفينيقي:
Página desconocida