الوقت المناسب؟ وما الوقت المناسب؟
أحمد :
الوقت الذي تكونين فيه مستعدة لرؤية أشياء لا تحبين رؤيتها.
سكتت فريدة، ونظرت للجميع باستنكار لقوله، شعرت أمينة بتحرجها، فسألت دكتور أحمد: «حقا دكتور، نريد أن نعرف كيف شفيت أمل؟» - تعرضت أمل لأشياء في صغرها لم تفهمها، وأشياء لم تتحملها، لكن رغبتها في البقاء والتمسك بالحياة هما ما جعلاها تلقي كل شيء في واحدة من تلك الغرف المظلمة؛ فصار بعض منها يتعاطف مع أمها، ويستنكر على أبيها ما يفعل، وصار بعض آخر يتعاطف مع صدمة الأب ويستنكر وجوده مع أمها، ربما شعرت بالغيرة من أمها أيضا. وبعض منها كان لديه حلم كبير بدراسة الفن والتاريخ، وبعض منها كان يتمنى فقط الاختفاء بوسادتها؛ لم تكن كل تلك الأجزاء سعيدة بعضها ببعض، وكان كل جزء يشعر بالضيق من وجود الأجزاء الأخرى، وكان الأقوى في كل وقت وفي كل حالة هو من يظهر، ويغلق الأبواب على باقي الأجزاء، وبمرور الوقت تجمعت الأجزاء المتشابهة، أو القادرة على التأقلم بعضها مع بعض، حتى تبقى وجهان لأمل، ولا أجد وصفا لهذين الوجهين أفضل من اختيار الدكتور عبد الله مسعود: أرتيميس إلهة الصيد، وأرتيميس ربة القمر.
قد يتعرض الكثير لمثل تلك الصراعات، وتختلف وتتباين القدرة على التكيف بين إنسان وآخر، حتى يظهر شيء يخلق لدى الإنسان الرغبة في الشفاء، لن تصدقوا أن ما جعل أمل تتعافى هو الحب؛ ظهور دكتور عبد الله في حياتها هو ما دفعها للعلاج، هو ما أيقظ رغبتها وغيرتها، غارت من نفسها، أخرجت غيرتها وجهيها، وأصبحت أرتيميس ربة القمر تغار من أرتيميس إلهة الصيد، حاولتا معرفة من منهما يريد، وتحولت تلك الرغبة لرغبة أكبر في معرفة من منهما هي أمل، وكانت تلك الرغبة نصف علاجها ونصف شفائها، لم تكن أرتيميس منحرفة، كانت إلهة الصيد أستاذة جامعية ناجحة، وكانت ربة القمر سيدة بسيطة بارة بأمها، كان لكل منهما صراعاتها الخاصة، سواء مع الأب والأم والأقارب، أو مع المجتمع، وحين تبددت الغيوم، وظهرت ملامح الحقيقة كان الصراع الوحيد الباقي هو الرغبة في معرفة «من أمل خطاب؟»
عندما ينقسم شيء لأجزاء كثيرة، ونحاول ترميمه مرة أخرى يجب أن نعرف كيف كان قبل التحول، يجب أن نعرف النقطة التي تحول عندها؛ لذا أردت معرفة متى بدأ الانقسام، وبحثت حتى وجدت جذور الانقسام؛ انقسام أمل ونسيان كاميليا، كانت نقطة التحول واحدة، لكن كلا منهما تعاملت معها بالطريقة الأكثر ملاءمة لتكوينها؛ فبينما كانت أمل تحارب للبقاء في الحياة، كانت كاميليا تحارب للخروج منها، وحين أصبحت أمل مستعدة للعودة، أمسكت يدها، وعدنا سويا برفق لتلك النقطة؛ فرأت كل شيء في أماكنها المظلمة، الفرق أنها لم ترها بعقل الطفلة الذي توقف وقتها، بل بعقل المرأة التي هي الآن؛ رأت، تذكرت، تألمت، ثم تفهمت، وحينها قبلت؛ قبلت كل ما حدث لها، قبلت نفسها، وحين قبلت توقف الصراع، وبدأت معركتها لعلاج أمها، وبالفعل شفيت كاميليا على يد ابنتها دكتورة أمل خطاب.
سعيد :
هذه القصة تصلح رواية أو فيلما دكتور أحمد.
عادل :
لا أعتقد أن هذا ممكن إلا بموافقتها، أليس لديكم حماية لسرية معلومات المرضى، دكتور؟
Página desconocida