El conejo fuera del sombrero
الأرنب خارج القبعة
Géneros
هل هي الرغبة في استعادة الأشياء التي فقدناها في الطريق، فنعود لنبحث عن «قطع غيار» لها في البدايات، مع وعود بأننا سنكون أفضل؛ وعود نتخلى عنها فور أن تدهسنا جرافة العمل اليومي؟ لماذا تبدو مرايا البيوت القديمة مكسورة، لا تظهر فيها وجوهنا كاملة، بل نصف وجه لكهل، ونصف وجه لطفل يهرول مرحا في جوانب البيت؟ لماذا نعجز عن القبض على تلك اللحظة، فنكتفي بابتسامة عاجزة، وغصة في الحلق، ونحن نتأمل كل شيء حولنا في صمت يليق بالجنازات وحدها؟
2
أجمل مكان في أي مدينة تزورها - كبيرة كانت أو صغيرة - هو «وسط البلد»؛ ليس لأنه مركز المدينة التجاري فحسب، بل لأنه كان البداية. تستطيع أن تقول إن ثمة بيتا وحيدا كان هنا في البداية، ثم قامت البيوت حوله، ثم اتسعت المدينة في دوائر أوسع وهكذا امتد العمران. في البداية فقط تستطيع أن تراجع نفسك، في البداية يمكنك أن تسائل نفسك عن كل الذي خسرته في رحلتك الطويلة تلك، كأنه عودة إلى الرحم الأولى، محاولة جديدة للبدء، أو استنشاق لرائحة الذين مروا من هنا، تركوا أرواحهم معلقة كمشانق ملونة تجذب المارين، وغادروا.
3
من صاحب البيت في البيوت المسكونة؟ ما الذي تعنيه البيوت المسكونة أصلا؟ مسكونة بمن؟ بناسها الحقيقيين أم بأغراب ضلوا الطريق فبحثوا عن مكان يسترهم من برد وعراء وعواء الليل ؟ في فيلم «الآخرون» لا تعرف من صاحب البيت الحقيقي إلا في آخر لحظة. لم تكن خدعة تشويقية من فيلم رعب نفسي، لكنها كانت سؤالا؛ عن الذين يزوروننا في أحلامنا، عن الذين يتحدثون عن البيوت المسكونة، عن الذين يهجرون بيوتهم، لكنهم يعودون إليها يوما، ربما بعد الموت، وربما آخر الحياة، كما نفعل نحن الآن.
4
بمجرد أن تضع قدمك في أول شارع طلعت حرب ستشعر بهذا، بالنقوش القديمة التي ستخطف عينيك، وتنقلها من نقش إلى آخر، من حكاية لم تنته في عمارة إلى حكاية أخرى، من رصيف إلى آخر، من روح تمر في خفة من هنا إلى هناك. أغمض عينيك، ودع قدميك تنقلانك من «طلعت حرب» إلى «قصر النيل» إلى «عدلي» إلى «26 يوليو»، ثم عد إلى «الشيخ ريحان»، و«جواد حسني»، و«هدى شعراوي»، ولا تنس أن تمر على «محمود بسيوني»، و«محمد فريد». زر «صبري أبو علم»، و«شريف»، و«عبد الخالق ثروت»، وحاول أن تمسك بالرائحة الأخاذة في يدك. اقبض عليها جيدا ودعها تسكنك، رائحة المكان أو رائحة الزمان ربما. ابتسم في وجوه الباعة، ولافتات السينمات القديمة، انظر بطرف عينيك إلى «جروبي»، و«النادي الدبلوماسي»، و«ريش». لوح لطالب لا تعرفه خرج من الجامعة الأمريكية ضاما إلى صدره ثلاثة كتب، أنصت لصوت عامل المقهى وهو يخبط الملعقة داخل كوب الشاي فيما يمر إلى «زبون» يتأمل قصر «شامبليون» أمامه، وربت على رءوس الأطفال المارين. اشتر صحيفة من بائع يجلس أمام «الأمريكين» واقرأ تاريخ صدورها جيدا؛ فربما كان قبل قرنين.
5
كأن «نداهة» تجذبنا إلى المدن القديمة، التي لم يتبق منها سوى بقايا جدران، ونقوش تدل على أن أحدا مر من هنا. ليس الأمر رغبة في زيارة الآثار، ولا ولعا بالأماكن القديمة. سيقول لك هذه الإجابة كل سائح يأتي من آخر الدنيا لكي يعبر تحت سقف الهرم محني الرأس مفتوح العينين والفم منبهرا، كل شخص رفع رأسه عاليا لكي يرى نهاية المسلة والمعبد. الأمر ليس إعجابا فقط بحضارات كانت، بل بأرواح كانت هنا ؛ تركت آثارها على كل مكان، حتى على التراب الذي نخطو عليه. لمسة يدك على الحائط تتلمس مكان يد عامل، وقدمك تسير على خطى كاهن مر من هنا، تشعر أن هذا المكان مختلف عن أي مكان آخر، أن شيئا غريبا لا تستطيع أن تحسه إلا هنا. من يسكن بيتا قديما يعرف ذلك؛ يعرفه وهو يجد آثار من سكنوا قبله، وأنفاسهم على الهواء. إنه روح المكان، وطأة قدم الزمن، روح الحكايات التي تبحث عمن يستعيدها، فلا تجد إلا ضجيجا - أشبه بكائنات أسطورية عملاقة - يلتهمنا جميعا.
6
Página desconocida