El conejo fuera del sombrero
الأرنب خارج القبعة
Géneros
من أكثر الأشياء التي اتفق البشر على قرب حدوثها أن ثمة كارثة قادمة في يوم ما لتدمر الأرض وتقتل من عليها. يمكن قراءة هذا حتى في الأديان التي تتحدث عما يسبق يوم القيامة ، أو في النظريات العلمية التي تتحدث عن نفاد الطعام والشراب وتلوث الهواء، أو في نبوءات المنجمين التي تتوقع دمار الأرض، أو في الأدب كبعض أعمال إدجار آلان بو، أو ه. ج. ويلز، أو في النظريات الكونية التي تتحدث عن حرب نووية، أو اصطدام الأرض - ذات يوم - بكوكب آخر.
لم تخط السينما كثيرا بعيدا عن هذه النظريات، بل ربما وجدت فيها منجما غنيا بالأفكار؛ فشاهدنا الأفلام التي تتحدث عن «نهاية العالم» وأفلام «الكوارث» وما يعرف بأفلام «ما بعد الكارثة». وما يميز هذه الأخيرة أنها تتحدث عن تصور الإنسان لما يمكن أن يحدث إذا حدثت الكارثة وانقرض معظم البشر، وكاد أن ينتهي العالم. ما الذي يمكن أن يفعله كي يواصل الحياة على كوكب الأرض، أو حتى في كوكب آخر بديل؟
ما تتفق عليه جميع هذه الأفلام هو أن العالم سينتهي بطريقة ما؛ كي يبدأ عالم جديد مختلف تسيطر عليه الهمجية والقوة والعنف، ويعود بدائيا تماما، إلا من مجموعة صغيرة تسيطر على مقدرات ما تبقى من البشر، وتتحكم في التكنولوجيا إذا بقي منها شيء. قد ينتهي العالم عن طريق حرب مدمرة مثلما رأينا في فيلم «ألعاب الجوع» بأجزائه الثلاثة، وفيلم «مختلفة» بجزأيه، أو عن طريق سيطرة التقنية والآلات على مصير البشر مثل «ماتريكس» أو «المبيد»، لا سيما في جزئه الأخير، أو انتشار فيروس يبيد البشر مثل «أنا أسطورة»، أو إعصار مثل «المستحيل»، أو كارثة نووية مثل «بعد الأرض»، أو عودة الحيوانات المنقرضة أو تمردها مثل «كوكب القرود»، أو غرق الأرض مثل «عالم الماء»، أو غزو فضائي مثل «يوم الاستقلال»، وحتى فيلم كريستوفر نولان الأخير «النجومي» يمكن أن ندرجه ضمن هذه القائمة، الذي اعتمد فيه على نظرية نهاية الأرض بسبب شح الطعام وتلوث الهواء.
آخر هذه الأفلام هو الجزء الرابع من سلسلة «ماكس المجنون»
Mad Max
التي عادت بعد توقفها 30 عاما، والذي عرض أخيرا تحت اسم «الطريق المرعب»
Fury Road ، وقام ببطولته تشارليز ثيرون، وتوم هاردي بديلا لميل جيبسون، وقدم شكلا مبهرا من أفلام ما بعد الكارثة، معتمدا على فكرة شح الطعام والماء والنفط وتصحر الأرض وانقراض البشر، إلا من فئة قليلة تسيطر على مقدرات ما تبقى من بشر بالقوة، وعصابات قطاع طرق تنتشر هنا وهناك.
ورغم أنه من الصعب الحديث عن فنيات في هذه النوعية من الأفلام التي تعتبر الإبهار والحركة هما أوليا لها، فإن الأفكار الصغيرة - التي يتم طرحها - تصلح دائما لإثارة التساؤل، كما أنها لا تحمل إلا رؤية نقدية بسيطة لما يحدث في العالم، يمكن تتبعها في جملة أو جملتين من الفيلم.
ورغم أن معارك فيلم «ماد ماكس» جاءت مبهرة، بل قدمت شكلا جديدا للحروب، خاصة حروب العصابات، اعتمد الفيلم السرعة في الإيقاع والحركة والمونتاج، الذي بدا فجا في بعض المشاهد، واعتمد على الموسيقى التصويرية كأحد الأسلحة المستخدمة في الحرب بين فريقي الفيلم اللذين يمثلان بالضرورة الخير والشر، كما في هذه النوعية من الأفلام، إلا أن هذه المشاهد تعطي انطباعا - في أجزاء أخرى منها - بأنها تدور في ألعاب الفيديو، خاصة أن الفيلم تحول إلى لعبة فيديو شهيرة. غير أن السؤال الذي يهمنا هنا ويطرحه الفيلم بالفعل هو آخر جملة ينتهي بها، والمقتبسة من كلام للإنسان الأول نقشه على الكهوف، متسائلا فيه عن: أين نذهب في هذا العالم المقفر؟ وهو ما يجعلنا نتساءل: إذا كان الإنسان الأول طرح هذا السؤال الوجودي قبل آلاف السنين؛ فماذا يمكننا أن نفعل اليوم؟
في أحد مشاهد الفيلم يطالب أحد المسيطرين على العالم - على ما تبقى من مائه وزرعه ونفطه - البشر الذين يتدافعون على بابه بألا يدمنوا «المياه»، التي فتحها لهم لكي يملئوا بها أوانيهم لفترات محدودة. ورغم سذاجة الفكرة، خاصة أنه لا حياة دون مياه للإنسان، فإنها تطرح سؤالا فعليا حول كيف ستنتهي حرب المياه التي تشتعل في مناطق متعددة في العالم الآن. في مشهد آخر نشاهد حرب النفط، وفي مشهد ثالث نشاهد أن المرأة تتحول مع الوقت - ربما يحدث هذا كلما تقدم المجتمع أو تخلف بشكل واحد - إلى سلعة للتجارة والمتعة ليس أكثر، وفي مشهد رابع نرى كيف تحول الدوجما (الدينية تحديدا ) البشر إلى عبيد، خاصة أولئك الذين يريدون أن يفجروا أنفسهم لكي يصلوا إلى النعيم والخلود اللذين ينتظرانهم. ورغم أننا يمكن أن نسقط هذا سياسيا على كثير مما يحدث حولنا، ولا سيما ما يفعله تنظيم داعش، فإن الفكرة الأساسية هنا هي انتقاد تلك الأفكار البراقة التي تؤدي إلى الاستلاب التام، الذي يتيح للطاغية أو الديكتاتور أو الحاكم - أيا كان - أن يسيطر على غيره من البشر.
Página desconocida