El conejo fuera del sombrero
الأرنب خارج القبعة
Géneros
أعتقد أن «تشارلز بوكوفسكي» لخص الأمر؛ لخص هذا المقال وعشرات المقالات التي كتبت قبله وستكتب بعده. وهذا هو دور الفن؛ هذا هو السر الذي يبحث عنه الفن طوال تاريخه، السر الذي يسعى وراءه كل شاعر وكل روائي وكل صاحب فن. لم يمسكه أحد بيده، لكننا نبحث عن متعته في كل نص جديد. لذا سيستمر الفن، وسيبقى السؤال من دون إجابة، وسيبقى سيزيف ملعونا يدفع صخرته إلى أعلى للأبد.
الشعراء من السماء ... الروائيون من الأرض
أيهما أكثر صعوبة: كتابة الشعر أم الرواية؟ هذا سؤال عبثي، والإجابة عنه ستكون أكثر عبثية، تماما مثل السؤال الذي يوجه لشاعر قرر أن يكتب رواية: «لماذا اتجهت للرواية؟» فيجتهد للإجابة عن سؤال لا يحتاج إلى إجابة.
في فيلم «العظمة
The Prestige » الذي أخرجه «كريستوفر نولان» وقام ببطولته «هيو جوكمان» و«كريستيان بيل»، نحن أمام ساحرين، كل منهما يتقن مهنته، لكن مع ذلك يسعى كل منهما إلى اكتشاف «سر» لعبة الآخر؛ مفتاح صنعته الذي يجعله يرى النظرة المنبهرة على وجه جمهوره، كلاهما يعمل بنفس الأدوات، لكن المنتج مختلف.
كلا المبدعين (الشاعر والروائي) يفعل ما يفعله الساحر، معتمدا على ثلاثة أجزاء كما فصل الراوي العليم في الفيلم:
الجزء الأول يسمى الوعد: يريك الساحر شيئا مألوفا. الجزء الثاني يسمى الدوران: يأخذ الساحر الشيء المألوف ويفعل به شيئا غير اعتيادي ولكنك لم تصفق بعد؛ لأن جعل الشيء يختفي غير كاف، بل يجب أن يعود مجددا. الآن أنت تبحث عن السر، ولكنك لن تجده؛ لأنك بالطبع لا تبحث عنه بجدية، أنت في الحقيقة لا تريد أن تعرفه، تريد أن تخدع. لهذا السبب، لكل خدعة سحرية جزء ثالث؛ الجزء الأصعب، الجزء الذي يسمى: «التميز».
بعض الشعراء لم يتعرضوا للخداع، استطاعوا اكتشاف السر، فكتبوا الرواية؛ لأن فن «السحر» واحد، يحق للشاعر/المبدع/الساحر، التنقل بين ألعابه المختلفة، وأن يقدم جديده، معتمدا على خبرته في ألعابه الاعتيادية.
لا أميل لمقولة إن الشاعر يكتب الرواية لأنه يبحث عن الشهرة، أو لأنها تحصد الجوائز؛ فهو ليس تاجرا يبحث عن الأكثر ربحا، كما أن الشاعر لا يميل لابتزاز عبارة «زمن الرواية»؛ لأنه يعلم كما يعلم الجميع المقولة القديمة أن «الشعر هو أعلى مراتب الفن». الأمر لا يتجاوز أنه يبحث عن مساحة جديدة للكتابة، تجريب في مساحة أخرى، اكتشاف «سحر» جديد يملك تفاصيله، مستغلا فيها أدواته الشعرية؛ ولهذا تبدو روايات الشعراء تحمل لغة مختلفة، يميل النقاد لتبريرها بأن سببها قدومهم من عالم الشعر، مع أن الحقيقة أن هذه اللغة هي سلاح الشاعر الحقيقي الذي يقتحم به العالم الجديد؛ لذا يتميز الشعراء القادمون من هذا العالم، سواء حافظوا على كونهم شعراء فيما بعد أم لا؛ ففي الأدب العربي نجد تجارب «رشيد الضعيف» و«جبرا إبراهيم جبرا» و«إبراهيم نصر الله» و«سليم بركات»، وفي التجارب العالمية نجد «تشارلز بوكوفسكي» و«بورخيس» و«بول أوستر» و«ميلان كونديرا» و«كواباتا» و«ساراماجو» و«فيكتور هيجو» و«جونتر جراس» و«كازانتزاكي»، و«هيرمان هيسه»، وكلهم بدءوا بالشعر.
قد يبدو من المزعج للبعض الآن التفريق بين أنواع الفنون المختلفة، ونحن نتحدث عن الرواية الشعرية، والسرد في الشعر، والكتابة عبر النوعية، والتداخل بين أنواع الفنون المختلفة، وموت النص الأدبي، والنص المفتوح ... فمثلا الناقد «إدوار الخراط» نشر مقاطع من إحدى رواياته في ديوان له باعتبارها شعرا، وهناك عشرات النماذج للتدليل على هذا. لكن رغم ذلك، ورغم حالة التداخل والكلام عن نصوص تمزج بين الفنين وفنون أخرى، يبقى كل فن قائما بذاته؛ فلم يصدر فرمان بإلغاء هذا التقسيم الأدبي، ولا كف الصحافيون عن سؤالهم، أو النقاد عن تبريرهم أو اتهامهم. بل على العكس، يبدو أننا متجهون لمزيد من التمييز الذي لم يكن موجودا في بداية النهضة الأدبية العربية الجديدة بدايات القرن الماضي؛ حيث كان ينظر للكاتب باعتباره مبدعا لكل الفنون؛ فنرى «العقاد» و«المازني» يكتبان الشعر والرواية، و«شوقي» يكتب الشعر والمسرح، وغيرهم.
Página desconocida