قال: «هل رأيتها أنت سائرة معهم؟»
قالت: «لم أرها يا سيدي، لأنني لم أكد أسمع بخروجها للمسير حتى جاءني هؤلاء الخائنون، ولم أعد أعي شيئا، ولكنني بينما كنت معهم، وهم يعذبونني، وقد حملني بعضهم على جواده، رأيت خيل الروم تسير شرقا، وأظن سيدتي أرمانوسة معهم.»
فلما سمع ذلك نفذ صبره فقال للفتاة: «وأين الخيل التي جئتم عليها؟» قالت: «لا أدري أين تركوها؟ لأني لم أكن أعي ماذا يفعلون لعظم اضطرابي.»
قال: «وهل نحن بعيدون عن بلبيس؟» قالت: «لا أظننا بعيدين.»
ففكر في خير الطرق للإسراع إلى بلبيس، وماذا يعمل بالفتاة ليأخذها معه، وليس عنده إلا جواده، وخاف إن هو تردد في الأمر أن تذهب أرمانوسة منه فقال: «إني أخشى عليك أن لا تحسني الركوب، فهل تركبين خلفي؟» قالت: «افعل ما بدا لك، فإني حية بفضلك.»
فركب وأردفها، فتمسكت بأطراف ثوبه، وساق جواده قاصدا بلبيس، وهو يكاد لا يرى الطريق لعظم غيظه.
وفيما هو سائر شاهد أشباحا عن بعد، وقد أسرعوا إليه على خيول، وصاحوا به: «من القادم؟» فلم يجبهم لعظم ما به، فلما اقتربوا منه ورأوا الفتاة رموه بالنبال وصاحوا به: «تخل عن الفتاة وإلا قتلناك.» فعرفت مارية صوت مرقس فصاحت: «لا ترم النبال يا مرقس، إنه من الأصدقاء.» وكان أركاديوس قد هم بأن يضربهم، فلما سمعها تناديهم بالاسم وقف وقال: «من تنادين؟» قالت: «أنادي ابن عمي، وهو قادم للبحث عني فيما أظن.» ولم يتما الكلام حتى وصل مرقس، وترجل ودنا من الفرس فأمسك بالزمام، وهو في ريب من أمر الراكب، وركوب مارية وراءه، وأحاط رجال مرقس بالفرس وهم يصيحون: «من أنت؟» وأركاديوس لا يريد أن يعرف أحد منهم أنه ابن الأعيرج فقال: «لست السارق يا قوم.» وقالت مارية: «إنه شهم كريم، أنقذني من مخالب الموت.»
فترجل أركاديوس والدرع تغشاه، والخوذة تغطي معظم رأسه، حتى لا يستطيع أحد معرفته، فقال للجميع: «هذه فتاتكم فاحملوها.» فأمسكوا بجواده قائلين: «من أنت؟ قل لنا حتى نكافئك خيرا.»
قال: «لا حاجة بكم إلى معرفتي، واستحث جواده وسار يخترق الصحراء قاصدا بلبيس.»
وكان أولئك القوم: مرقس ورجاله ومعهم والد الفتاة، وقد أنهكهم التعب؛ لأنهم قضوا طول ليلهم يهزعون من مكان إلى آخر يفتشون عن مارية.
Página desconocida