فلما وصلا إلى باب الحديقة استأذناها في الدخول، فأذنت أولا لرسول أركاديوس فدخل، فسألته عن كتاب أركاديوس فقال: «وصلت إلى الحصن يا سيدتي مساء، فسألت عن القائد أركاديوس فقيل لي إنه ذهب في جماعة من رجاله إلى خارج الحصن ليقطعوا الجسر المنصوب بين الحصن وجزيرة الروضة، وهو جسر مصنوع من المراكب يعبرون عليه من الحصن إلى الجزيرة، ومثله الجسر الموصل بين الجزيرة والجسر الغربي.»
فقالت: «ولماذا يقطعونهما؟»
قال: «أرادوا ذلك عندما جاءهم الخبر بنزول العرب بالفرما وعزمهم على الهجوم على الحصن، فأمروا بقطع هذين الجسرين ليمنعوهم عن منف وسائر البر الغربي.»
قالت: «وماذا فعلت عند ذلك؟»
قال: «سرت إلى سيدي المقوقس فدفعت إليه كتابه فقرأه، وكان في شاغل بالاستعداد وتقوية الحصون، فكتب إلي كتابين، وأوصاني أن أوصل أحدهما إلى سيدتي والآخر إلى يوقنا، وأمرني بسرعة الرجوع بهما، فلم أعلم كيف أوصل كتابك إلى أركاديوس، وخفت إذا تأخرت هناك وعلم سيدي المقوقس بتأخيري أن تنكشف حقيقة أمري، وربما كان في ذلك ما يغضبك أو يغضب سيدتي أرمانوسة، فرأيت هناك جنديا كنت أعرفه منذ صباي، وهو صديق لي، فدفعت الكتاب إليه وأوصيته أن يدفعه إلى القائد أركاديوس حالما يعود من مهمته، فوعدني أن يقوم بذلك، وجئت بالرسالتين كما قدمت.»
فقالت وقد ذعرت وكادت تيأس من نجاة سيدتها: «إذن لم تشاهد أركاديوس؟»
قال: «لا يا سيدتي، وقد بينت لك السبب.» وخاف أن يشتد غضبها عليه فسكت.
فقالت: «ومن هو هذا القادم معك؟»
قال: «هو رسول يوقنا إلى سيدتي أرمانوسة، أرسله يوقنا على أثر تلاوة كتاب سيدي المقوقس.»
فعلمت أنه أرسل يطلب ذهابها إليه وقد وقعت الواقعة وانقطع الرجاء، فاشتد بها الأسى، وترقرقت الدموع في عينيها، ولكنها تجلدت وأرادت تحقق الخبر فقالت: «ادع الرسول إلي.» فدعاه، فلما دخل تحققت أنه الرسول الأول بروفس، فقالت: «ما وراءك؟» فسلم ودفع إليها كتابين، فتناولتهما فعلمت أن أحدهما من المقوقس إلى يوقنا والآخر من يوقنا إلى أرمانوسة، فأخذتهما ودخلت على سيدتها فرأتها لا تزال غارقة في بحار الهواجس، فلما دخلت بربارة ذعرت والتفتت إليها كأنها تسألها ما خبرها؟ وكانت بربارة مرتبكة، والدموع ملء عينيها، وهي تحاول إخفاء الكتب، فأدركت أرمانوسة ارتباكها فعاجلتها بالسؤال عما في يدها، فقالت وقد شرقت بدموعها: «ليس في يدي شيء يا مولاتي.»
Página desconocida