وكان عمرو يكلم زيادا وعواطفه تتكلم معه وقلبه يتهلل فرحا، ثم قال: «وأخذت من ذلك الحين أجاهد في سبيل الله، وآخر مرة فعلته فتح بيت المقدس، وأتيت منها إلى مصر كما علمت، وترانا لا نقدم بلدا إلا فتحناه عنوة أو صلحا، وكل ذلك ببركة رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ولأن يقاتل أحدنا العدو رغبة في الآخرة ويستشهد في سبيل ذلك، خير له من الذل، بل هو خير من الحياة الدنيا؛ لأن الدنيا دار فناء والآخرة دار قرار.» وكان عمرو يتحدث والعرق يتصبب منه لتهيج عواطفه وشدة رغبته في الجهاد.
فقال زياد: «لا عجب يا عمرو إذا نصرتم في حروبكم وقد عقدتم الخناصر وأخلصتم النية في الجهاد، وأما جماعة الروم فإنما همهم التفاضل فيما بينهم، وفي قيام بعضهم على بعض ما يحول بينهم وبين النصر، وكأني بدولتهم قد دالت والشمس قد مالت.»
وكان مرقس في أثناء ذلك صامتا لا يفهم ما دار بينهما، ولكنه كان معجبا بملامح عمرو، وما يلوح في وجهه من البسالة، وما ينبعث من عينيه من أشعة الذكاء، وكان يود الدخول فيما جاء من أجله؛ لأنه خاف أن يصل رسول يوقنا إلى أرمانوسة فتنطلي الحيلة عليها فيصيبها شر، على أنه لم يكن يجسر على الدخول في الحديث من تلقاء نفسه.
ثم التفت عمرو إلى زياد قائلا: «ومن هو صاحبك يا زياد؟» قال: «هو من قبط مصر أيها الأمير، من جند المقوقس، وقد جاء ليقص عليك حكايته، ويسألك أمرا لا شأن للحرب فيه، ولكننا قد أطلنا الحديث الآن وأنت قادم من سفر تحتاج إلى الراحة، فلا نثقل عليك أكثر من ذلك.»
قال: «إن التعب لا يقعدنا عن حاجات الناس، فإن نبينا
صلى الله عليه وسلم
إنما أرسل رحمة للعالمين.»
فقال زياد وقد شعر أنه أطال الحديث: «بارك الله فيك أيها الأمير، لا زلت ملاذا للطالبين. أما أمر صاحبنا فليس مما يسرع إليه، وإذا رأى مولاي أن نعود في الغد فعلنا، وأما الآن فإننا نستأذنه في الانصراف.»
Página desconocida