وقال الخفير بعد أن شبع ضحكا: إنتو عارفين إيه يا ولاد؟ دول بنادقهم هندي من أم حداشر طلقة، مش زي الممغوصة بنادقنا الأرمنتوه.
وأخذ بعد هذا يشرح، في لهجة العالم، الفرق بين الهندي والأرمنتوه، وعدد قليل يسمع، بينما الباقي قد تفرق يتهامس، ويتحدث في شئون العيش.
وساعتها كان نفر من الأعيان جالسين يستنشقون الهواء في الخلاء على مقاعد محطة القطار ومعهم العمدة، وتلقفوا الأنباء باهتمام قليل، وأنصتوا إلى العمدة وأشداقه تضخم الكلمات، ثم تفرطها على دفعات، وهو يقول إن البلد تلفت، والخلق باظت، والذمم خربت، والناس تخاف ولا تخجل، ولا يصلحها إلا الكرابيج الغريبة.
وكان الأعيان يموءون وهم يوافقونه على كل ما يقول، بل تمنى واحد منهم لو كان الود وده ليبقى الهجانة تسوق الناس أمامهم كالنعاج أعواما وأعواما. •••
وأصفر العصر.
وكانت البلد قد أفرغت ما لديها من كلام، وعرفت كل الأخبار والشائعات، ورويت من السخرية بنفسها ومن إخافة بعضها بعضا.
وحين رأى الناس خيالاتهم تطول وتمتد، تذكروا المغرب وما ينتظرهم فيه.
وتحرك المصدقون والمكذبون والمتفكهون في كل اتجاه، حتى أصبحت القرية كعش النمل، وأسرعت النسوة إلى الغيطان يستعجلن الأزواج، ويروين ما حدث.
وازدحمت الأطباق والأذرع الملحة أمام الدكاكين، وتصاعدت أدخنة كثيرة من المواقد والأفران، وقد تكهربت تنجز الطعام والخبز.
وفي النهاية قطعت الأرجل من الشوارع، وتجمع الناس في استغراب وسخرية حول الطبالي يحاولون ابتلاع العشاء، والشمس ما زالت طالعة.
Página desconocida