8 -
حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال: حدثنا داود بن رشيد قال: أخبرنا الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحجر الكلاعي قالا: «دخلنا على العرباض بن سارية وهو من الذين نزل فيهم {» ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه "} [التوبة: 92] الآية، دخلوا عليه وهو مريض قال: فقلنا له: إنا جئناك زائرين وعائدين
[ص: 95]
ومقتبسين، فقال عرباض: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بنا صلاة الغداة، ثم أقبل علينا فوعظنا بموعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع، فما تعهد إلينا؟ قال
: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي سيرى اختلافا
كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» قال محمد بن الحسين: في هذا الحديث علوم كثيرة يحتاج إلى علمها جميع المسلمين ولا يسعهم جهله، منها أنه أمرهم صلى الله عليه وسلم بما أمرهم الله عز وجل بتقواه، ولا يعلمون بتقواه إلا بالعلم قال
[ص: 96]
بعض الحكام: كيف يكون متقيا من لا يدري ما يتقي، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا يتجر في أسواقنا إلا من قد فقه في دينه، وإلا أكل الربا» قلت: فعلى جميع المسلمين أن يتقوا الله عز وجل في أداء فرائضه، واجتناب محارمه، ومنها أنه أمرهم بالسمع والطاعة لكل من ولي عليهم من عبد أسود وغير أسود، ولا تكون الطاعة إلا بالمعروف، لأنه أعلمهم أنه سيكون اختلاف كثير بين الناس، فأمرهم بلزوم سنته وسنة أصحابه الخلفاء الراشدين المهديين، وحثهم على أن يتمسكوا بها التمسك الشديد، مثل ما يعض الإنسان بأضراسه على الشيء يريد أن لا يفلت منه، فواجب على كل مسلم أن يتبع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعملوا أشياء إلا بسنته وسنة الخلفاء الراشدين بعده: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وكذا لا يخرج عن قول صحابته رحمة الله عليهم،
[ص: 97]
فإنه يرشد إن شاء الله. ومنها أنه حذرهم البدع وأعلمهم أنها ضلالة، فكل من عمل عملا أو تكلم بكلام لا يوافق كتاب الله عز وجل، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين، وقول صحابته رضي الله عنهم فهو بدعة، وهو ضلالة، وهو مردود على قائله أو فاعله، ومنها أن عرباض بن سارية قال: «وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب» قال محمد بن الحسين: فميزوا هذا الكلام، لم يقل: صرخنا من موعظة، ولا زعقنا، ولا طرقنا على رءوسنا، ولا ضربنا على صدورنا، ولا زفنا، ولا رقصنا كما فعل كثير من الجهال، يصرخون عند المواعظ ويزعقون، وينغاشون، وهذا كله من الشيطان يلعب بهم، وهذا كله بدعة وضلالة، يقال لمن فعل هذا: اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أصدق الناس موعظة، وأنصح الناس لأمته، وأرق الناس قلبا، وأصحابه أرق الناس قلوبا، وخير الناس ممن جاء بعدهم، ولا يشك في هذا عاقل، ما صرخوا عند موعظته، ولا زعقوا، ولا رقصوا،
[ص: 98]
ولا زفنوا، ولو كان هذا صحيحا لكانوا أحق الناس بهذا أن يفعلوه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه بدعة وباطل ومنكر، فاعلم ذلك، فتمسكوا رحمكم الله بسنته، وسنة الخلفاء من بعده الراشدين المهديين، وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
Página desconocida