سبق إِلَى شيء مِنْهَا كَانَ أحق بِذَلِكَ من غيره ومن كَانَ أعلى فهو أولى ممن هُوَ أسفل منه، وله أن يسقى زرعه حَتَّى يبلغ الماء إِلَى الكعبين، ثُمَّ لا حق لَهُ فِيهِ بعد مَا أخذ منه حاجته، بل هُوَ لمن كَانَ أسفل منه.
وأما إذا كَانَ المنبع ملكًا لواحد فليس لأحد أن ينازعه فلي ذَلِكَ، إِلا أَنَّهُ لا يجوز منع الفضل من حاجته عَنْ ماشية الغير، لقوله ﵇: "لا تمنع فضل الماء لتمنع بِهِ الكلأ" وَهَذَا فيما نبع فِي بئر لإنسان هي ملكة وبقربة مواتٌ فِيهِ كلأ لعامة المسلمين، فإن بذل صاحب البئر فضل مائه أمكن الناس رعيه، وإن منع لم يمكنهم، فيكون فِي منعه فضل الماء منع الكلأ، وإلى هَذَا ذهب جماعة من العلماء.
وَقَالَ بعضهم: ليس هَذَا نهي تحريم، إنما هُوَ من باب المعروف إن شاء فعل، وإن شاء ترك.
وَقَالَ آخرون: لايجوز منعه، وله طلب القيمة، كإطعام المضطر يجب عَلَيْهِ وله أن يأخذ قيمته.
والأصح أَنَّهُ يجب بذله مجانا، لما روي أَنَّهُ ﷺ نهى عَنْ بيع فضل الماء، وَهَذَا بخلاف الطعام فإنه منقطع المادة وغير مستخلف، والماء مستخلف مادام في منبعه، حتى لوجمعه فِي حوض أَوْ إناء فله منعه من غيره، كالطعام.
وفي الْحَدِيث دليل عَلَى أن مَا أشار إِلَيْهِ النَّبِيّ ﷺ فِي الابتداء كَانَ مصلحة ورعاية للجانبين، فلما أحفظه - أي أغضبه الأنصاري – استوفي حق الزبير بصريح الحكم.
والآية الَّتِي نزلت فِي تلك الحادثة تدل عَلَى أن الاستسلام والانقياد لحكم رَسُول اللَّهِ ﷺ سرا وعلنا من شرط الإيمان.
1 / 70