الامراض ، وتجد مناطق للنفوذ اليه ، حتى تقضي على صحته قضاء مبرما .
اذا ، فالانسان الراغب في صحة النفس ، والمترفق بحاله ، اذا تنبه ان وسيلة الخلاص من العذاب تنحصر في امرين : الاول : الاتيان بما يصلح النفس ويجعلها سليمة . والآخر ، هو الامتناع عن كل ما يضرها ويؤلمها .
ومن المعلوم ان ضرر المحرمات اكثر تاثيرا في النفس من اي شيء آخر ، ولهذا كانت محرمة ، كما ان الواجبات لها اكبر الاثر في مصلحة الامور ، ولهذا كانت واجبة وافضل من اي شيء ، ومقدمة على كل هدف ، وممهدة للتطور الى ما هو احسن .
ان الطريق الوحيد الى المقامات والمدارج الانسانية يمر عبر هاتين المرحلتين ، بحيث ان من يواظب عليهما يكون من الناجين السعداء ، واهمهما هي التقوى من المحرمات ، وان اهل السلوك يحسبون هذه المرحلة مقدمة على المرحلة الاولى ، اذ يتضح من الرجوع الى الاخبار والروايات وخطب «نهج البلاغة» ان المعصومين عليهم السلام كانوا يعتنون كثيرا بهذه المرحلة .
اذا ، ايها العزيز ! بعد ان عرفت بأن المرحلة مهمة جدا . ثابر عليها بدقة ، فإذا انت خطوت الخطوة الاولى وكانت صحيحة ، وبنيت هذا الاساس قويا ، كان هناك امل بوصولك الى مقامات اخرى ، والا امتنع الوصول ، وصعبت النجاة .
كان شيخنا العارف الجليل يقول : ان المثابرة على تلاوة آخر آيات سورة الحشر المباركة ، من الآية الشريفة : «يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد ...» (1) الى آخر السورة المباركة ، مع تدبر معانيها ، في تعقيبات الصلوات ، وخصوصا في اواخر الليل حيث يكون القلب فارغ البال ، مؤثرة جدا في اصلاح النفس ، وفي الوقاية من شر النفس والشيطان . وكان يوصي بدوام حال الوضوء ، قائلا : ان الوضوء مثل «بزة جندي» . وعلى كل حال ، عليك ان تطلب من القادر ذي الجلال ، من الله المتعال جل جلاله ، مع التضرع والبكاء والالتماس كي يوفقك في هذه المرحلة ويعينك في الحصول على خصلة التقوى .
واعلم ، ان بدايات الامر صعبة وشاقة ، ولكن بعد فترة من الاستمرار والمثابرة تتحول المشقة الى راحة ، والعسر الى يسر ، بل تتبدل الى لذة روحية ، خصوصا ، وان اصحاب هذه اللذة لا يستبدلونها بجميع اللذائذ . ويمكن ، ان شاء الله ، وبعد المواظبة الشديدة والتقوى التامة ، ان تنتقل من هذا المقام الى مقام تقوى الخاصة . وهي التقوى التي تتلذذ الروح بها . اذ انك بعد ان تذوق طعم اللذة الروحية تترك شيئا فشيئا اللذائذ الجسدية وتتجنبها . وعندئذ يسهل الاربعون حديثا :203
Página 202