Cuatro Cartas de los Antiguos Filósofos Griegos e Ibn Al-Ibri
أربع رسائل لقدماء فلاسفة اليونان وابن العبري
Géneros
8
إذ كان ما نبادي إليه وإن تناهينا فغير واجدين نهاية من العلم حتى نبلغ إلى نهايته؛ فتبارك نهاية النهايات وغاية الغايات وفقك الله للخير، وجعلك له أهلا أن تعلم أن كل ألم غير منعوت الأسباب غير موجود الشفاء، فيجب أن نبين لك ما الغم والهم، وما سببهما ليكون شفاؤهما ظاهر الوجود إن شاء الله.
فالهم تقسيم الأفكار وحيرة النفس وخمولها، وهو سريع الزوال والانتقال، وأما الغم فخطر كبير وأمر عظيم [يذيب القوة ويقهر الحرارة ويهدم الجسم ويكدر الأوقات] ويقصر مادة العمر، وهو ألم نفساني يعرض لفقد محبوب أو فوت مطلوب (114). ولو فكر أهل هذا العالم الدني التالف بما هم وفيما هم؛ لعلموا أنهم أعراض زائلة وأشباه حائلة تتصرف بهم الأيام وتقلبهم الأحكام، فالواجب أن يبدءوا بالغم على نفوسهم، فهي أولى من الغم على محبوباتهم ومطلوباتهم إذ هم يعلمون أنهم سيعدمون ما عدموه ويفقدون ما فقدوه، وتقدمت معرفتهم بذلك وتيقنوا أن نفوسهم وأغراضهم غير باقية؛ لأن كل ما في عالم الكون والفساد مضمحل زائل، فكان معنى مرادهم أن طلبوا الثبات والدوام من الفانية المضمحلة الفاسدة، وإنما الدوام والثبات موجودان في عالم العقل، فكأن من طلب من الزمان ما ليس فيه أراد منه ما ليس في طبعه، ومن أراد من الطبع ما ليس في الطبع أراد ما ليس بموجود، ومن أراد غير الموجود عدم طلبته، والعادم طلبته معنى شقي، فينبغي للعاقل أن يطلب ما يسعده دون ما يشقيه، ويحترس
9
من سلوك طريق الشقاء والجهل.
وأقول إن من لم يعرف الزمان ويختبر أصول الأحوال متى زالت عنه عادة وجوه الدنيا، فارق معها الشهوات الحسية من لذيذ الطعام، وطيب الشراب، وملح الملبوس والمنكوح وما شاكل ذلك، وقد تقررت معرفته أنها (115) أعراض لا تملك إلا من جهتين: إما اكتساب مغالبة أو اكتساب بضرب من الحيل التي تسميها الناس تجارة أو صناعة، وتيقن أنه لا بد أن تضمحل محبوباته، ومن لم يدرك ذلك فكأنه أراد ما قدمنا ذكره من الفاسد أن لا يكون فاسدا، ومن الزائل أن لا يكون زائلا، فإذا أردنا أن لا نصاب بمصيبة فكأنا أردنا أن لا نكون
10
البتة؛ لأن المصائب لا تكون إلا بفساد الفاسد، فإن لم يكن فاسد لم يكن كائن،
11
ولو قصد بمحبوباته الثبات والبقاء لقصد طبع البقاء للظاعنة
Página desconocida