Aram de Damasco e Israel
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Géneros
تختلف رواية الملوك الثاني عن رواية ميشع بعدد من النقاط. ففي الرواية التوراتية تفرض الجزية على موآب في عهد آخاب لا في عهد عمري، ويعصي ميشع على إسرائيل في عهد يهورام بن آخاب لا في عهد آخاب، ويقوم ملك إسرائيل بمهاجمة ميشع بالتعاون مع ملك يهوذا وملك آدوم لا منفردا، ويرتد المهاجمون الثلاثة عن مدينة ميشع بدافع من حسهم الإنساني الراقي (كذا) لا بسبب هزيمتهم على يد ميشع. ونلاحظ بشكل خاص عدم ذكر نقش ميشع لمملكة يهوذا، وهذا أمر يتفق مع ما قدمناه سابقا من عدم وجود مملكة اسمها يهوذا خلال القرن التاسع قبل الميلاد. وفي هذه الاختلافات الشاسعة بين النصين وثيقة فريدة عن كيفية تصرف المحرر التوراتي بالخبر التاريخي، وتوجيهه وفق المنظور الأيديولوجي الموضوع مسبقا.
إن ما نستنتجه من نص ميشع - وهو نص تاريخي لا غبار عليه، دون زمن الحادثة التي يخبرنا عنها - أن الملك عمري بعد بنائه للسامرة كان مهتما بالسيطرة على الطرق التجارية الدولية لتأمين اتصاله بالعالم الخارجي. لقد أمنت له المصاهرة مع أقوى ملوك فينيقيا، وزواج ابنه آخاب من ابنة ملك الصيدونيين؛ الوصول إلى الساحل السوري، وكان في الوقت نفسه مسيرطا على شبكة التجارة المحلية، بما فيها الطريق الصاعد من النقب عبر أورشليم. وبقي أمامه طريق الملوك الدولي الذي يعبر شرقي الأردن باتجاه دمشق. وبما أن المشيخات القبلية في شرقي الأردن قد أخذت بالتحول إلى ممالك صغيرة وقوية يعتد بها، فإن إرضاءها الآن صار يتطلب أكثر من دفع القليل لها أو التلويح بالعصا الغليظة، من هنا كان لا بد من التواجد العسكري الدائم في تلك المناطق من أجل حماية طرق القوافل. وبما أن الملك عمري، وابنه آخاب من بعده، كان تابعا اسميا لملك دمشق ويدخل معه في معاهدة دفاع مشترك، كما سنرى بعد قليل، فإن من المرجح أن تكون دمشق هي التي أطلقت يد أسرة عمري في شرقي الأردن من أجل الحفاظ على المصالح الحيوية للطرفين، ولتخفيف الأعباء عن دمشق، التي كانت تستعد في ذلك الوقت للمواجهة العسكرية الكبرى مع آشور.
وكان على عرش دمشق في ذلك الوقت، أي أواسط القرن التاسع قبل الميلاد، ملك كبير، وشخصية عسكرية وسياسية فذة، اسمه هدد عدر، وهو أول ملك آرامي دمشقي موثق تاريخيا. ولي هدد عدر عرش دمشق خلال الفترة التي ابتدأ فيها المد العسكري الآشوري المنظم والمتواصل على مناطق غربي الفرات، بعد أن تم إخضاع أو الحصول على ولاء الدويلات الآرامية على الفرات والخابور. وقد افتتح الملك الآشوري شلمنصر الثالث (858-824ق.م.) هذا العهد الجديد من الصراع الآشوري الآرامي، والذي دام نحو قرنين من الزمان، بحملته المعروفة باسم حملة قرقرة. فتصدى له هدد عدر ملك دمشق، وجمع تحت لوائه اثني عشر ملكا من ملوك الدويلات السورية اتحدت في جيش واحد، وسار للقاء شلمنصر الثالث عند قرقرة على نهر العاصي إلى الشمال من مدينة حماة عام 854ق.م. ولدينا نص طويل ومفصل تركه شلمنصر الثالث معروف باسم نص المسلة السوداء، يصف الحملة ونتائجها من وجهة النظر الآشورية، وهذه ترجمته: «... غادرت نينوى، فعبرت نهر دجلة، وتقدمت إلى مدن الملك غيامو على نهر بليخ، فتملكهم الخوف من هيبتي ومن أسلحتي الفتاكة، فقتلوا سيدهم غيامو بأسلحتهم (يلي ذلك تعداد لأصناف الإتاوة التي أخذها من المدن المغلوبة). من سحلالا توجهت إلى كار شلمنصر (= برسيب) وعبرت الفرات في ذروة فيضانه على أطواف من جلد الماعز. وفي المدينة التي يدعونها أهل حطيئة بترو، على الجهة الأخرى للفرات عند نهر الساجور، تلقيت الجزية من ملوك الجهة الأخرى للفرات؛ من سنغارا ملك كركميش، ومن كوندا شبي ملك كوماجين، ومن آرام ملك جوشي (تعداد لأصناف الأتاوى النقدية والعينية المدفوعة). ثم غادرت الفرات نحو حلب التي خاف أهلها وخروا عند قدمي. فتلقيت منهم فضة وذهبا جزية، وقدمت قربانا إلى هدد إله حلب. من حلب توجهت إلى مدن إرخوليني ملك حماة، فتحت مدينة أدينو وبرغا، ومقره الملكي في أرغانا، وأضرمت النار في قصره. غادرت أرغانا وأتيت إلى قرقرة فدمرتها وأحرقتها.
هب إلى ساح المعركة هدد عدر ملك إميريشو (= مملكة دمشق)
5
ومعه 1200 عربة، و1200 فارس، و20000 جندي. وإرخوليني ملك حماة ومعه 700 عربة، و700 فارس، و10000 جندي. وآخاب الإسرائيلي ومعه 2000 عربة، و10000 جندي. ومن موصري جاء 10000 جندي. ومن قوية جاء 500 جندي. ومن عرقاتا 100 عربة، و10000 جندي. وجاء ماتينو بعل من أرواد ومعه 200 جندي. وأمير أشتانو ومعه 200 جندي. وأدنو بعل من سيانو ومعه 30 عربة، و1000 جندي. وجنديبو العربي ومعه 1000 جمل. وبعشا أمير رحوبي ومعه ... ومن عمون ... فكانوا اثني عشر ملكا هبوا في وجهي للمعركة الحاسمة، فحاربتهم بما وهبني الإله آشور من قوة، وبما وهبني الإله نرجال من سلاح فتاك، وهزمتهم بين مدينة قرقرة ومدينة جيلزو، وملأت نهر العاصي بجثثهم ...»
6
معركة قرقرة.
نلاحظ من دراسة التنظيم القتالي للحلفاء أن مملكة دمشق قد قدمت القوة الضاربة الرئيسية، تليها مملكة السامرة فمملكة حماة. ويبدو أن توزيع القوات المقدمة من قبل الحلفاء كان مدروسا ومخططا بعناية، وبما يتلاءم والإمكانات المادية لكل دولة. فبينما تفوق هدد عدر على آخاب بالعدد الهائل من الفرسان والمشاة الذين قدمهم، فإن آخاب قد تفوق على الجميع بعدد المركبات العسكرية التي بلغت الألفي مركبة. كما يمكن أن نلاحظ من الخارطة، التي رسمتها للمعركة على الصفحة التالية، أن الدويلات الحليفة لدمشق تتوضع على خط التجارة الدولي الصاعد من الجزيرة العربية عبر شرقي الأردن نحو الأناضول. وأن بعضها، مثل أرواد وعرقاتا وسيانو (في منطقة جبلة) كانت تتحكم بالتجارة البحرية ومسالكها البرية نحو الداخل. وأغلب الظن أن ميناء أرواد كان الثغر الرئيسي الذي تعتمد عليه دمشق في تجارتها البحرية، نظرا لاستقلال بقية المدن الفينيقية على الساحل اللبناني في سياستها الخارجية، وعدم تنسيقها مع مملكة دمشق. ويبدو هذا الاستقلال واضحا في عدم مشاركة هذه المدن في معركة قرقرة، أو في المعارك التالية التي خاضها الحلف الدمشقي ضد آشور، ولا حتى بطريقة رمزية كما فعل ملك أرواد، الذي واكب الحلفاء شخصيا ولكن بمائتي جندي فقط.
أما عن نتيجة معركة قرقرة، فرغم ادعاء الملك الآشوري الانتصار التام على الحلفاء، إلا أن مسار الأحداث اللاحق، الذي سنتابعه بعد قليل، يظهر أن المعركة انتهت إلى إحدى نتيجتين؛ فإما تراجع أحد الفريقين دون التوصل إلى حسم كامل، وإما هزيمة الآشوريين وعودتهم إلى بلادهم من أجل التحضير لحملة جديدة. ذلك أن جميع ملوك التحالف الدمشقي قد عادوا إلى عواصمهم، وكان على شلمنصر الثالث أن يعود لمواجهة التحالف نفسه في حملاته المؤرخة في أعوام 849 و848 و846 و845ق.م. إضافة إلى أن نص المسلة السوداء لم يذكر شيئا عن قتل أو أسر أي ملك من ملوك التحالف، ولم ينته بالصيغة المعروفة في السجلات الحربية الآشورية، التي تقول: «وجعلتهم يركعون تحت قدمي ويقدمون لي الجزية.» ولقد كان على آشور أن تنفق قرنا آخر ونيفا قبل أن تكون قادرة على تحصيل الجزية من ملوك التحالف واحدا إثر آخر.
Página desconocida