Aram de Damasco e Israel
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Géneros
إن المنظور الضيق لخلاصات الباحث الإسرائيلي فنكلشتاين وغيره من أصحاب النظرية الأركيولوجية الجديدة، والذي تم تحديده زمنيا بعصر الحديد الأول، وجغرافيا بمنطقة الهضاب المركزية، في سياق بحثه عن أصول إسرائيل، هو منظور منحرف الرؤية؛ فنحن لا نستطيع أن نحصر بحثنا وتحليلنا في هذه المرحلة وفي هذه المنطقة فقط، لأننا نكون بذلك قد سلمنا مسبقا بجواب السؤال الذي نبحث عنه. وفي الحقيقة، فإن عنوان كتاب فنكلشتاين نفسه، أي «أركيولوجيا المواقع الإسرائيلية»، يدل على أن الباحث يسلم منذ البداية بأن القرى الزراعية التي نشأت في الهضاب المركزية هي قرى إسرائيلية، وأن إثنية هذه التجمعات وأصلها العرقي والثقافي هو أمر مفروغ منه، وذلك في الوقت الذي يطلعنا فيه المسح الأركيولوجي للمناطق الفلسطينية الأخرى على أن القرى الجديدة في عصر الحديد الأول لم تكن وقفا على الهضاب المركزية، بل شملت أيضا مناطق أخرى، وخصوصا في المناطق الساحلية ووادي يزرعيل.
2
فلماذا تكون قرى الهضاب المركزية إسرائيلية، وقرى السهول كنعانية؟ أما اقتراح فنكلشتاين بأن أصول الجماعات الجديدة في الهضاب المركزية يجب تتبعها في الرعوية الفلسطينية المحلية، وأن أهل القرى الجديدة هم مزارعو الهضاب المركزية في عصر البرونز الوسيط ممن مروا بفترة رعوية طويلة خلال عصر البرونز الأخير بسبب الجفاف؛ فاقتراح يبدو جذابا للوهلة الأولى، غير أنه اقتراح نظري محض، ولا يقوم على أساس أركيولوجي أو تاريخي متين، ودافعه الوحيد هو رغبة هذا الباحث في التوكيد على الاستمرارية الإثنية في منطقة الهضاب المركزية باعتبارها إثنية إسرائيلية.
إن الفترة الانتقالية، التي جلبت معها انهيار البنى الاقتصادية لفلسطين، قد أحدثت تغييرا جذريا في استراتيجيات تحصيل المعاش، حيث تحول الاقتصاد المتوسطي التقليدي المعتمد على إنتاج سلع التبادل النقدي، مثل الكرمة والزيوت والخمور، إلى اقتصاد الكفاف، وهو اقتصاد أقل استقرارا، ويقوم على زراعة الحبوب وعلى الرعي. وقد أدى هذا التحول إلى اقتلاع عدد كبير من السكان من مناطقهم التقليدية، ودفعهم إلى البحث عن مناطق أخرى. فإذا أخذنا بعين الاعتبار وضع فلسطين المتاخم لمنطقة السهوب، وكذلك الاقتلاع السكاني الذي حدث خارج فلسطين أيضا في المناطق المجاورة، وفي منطقة عالم المتوسط بشكل عام خلال منقلب الألفية الأولى قبل الميلاد، فإن دولتي إسرائيل ويهوذا، اللتين نشأتا خلال عصر الحديد الثاني كجزء من النظام العالمي للإمبراطورية الآشورية، قد ضمتا إليهما عددا من الجماعات الزراعية المحلية، التي تبحث عن بديل لوضعها المتدهور في مناطق السهول والوديان، وكذلك عددا من الجماعات الرعوية من السهوب الواقعة إلى الجنوب والشرق من المناطق الزراعية، وأيضا جماعات مقتلعة من مواطنها في أماكن بعيدة من حوض المتوسط. ونظرا لوضوح الاستمرارية الثقافية من عصر البرونز الأخير إلى عصر الحديد الأول فالثاني، فإن القسم الأكبر المكون للتركيب السكاني للمناطق الهضبية يجب أن يكون قد جاء من المناطق الفلسطينية الزراعية الأخرى؛ لأن الجماعات الرعوية المتنقلة ليست ناقلا جيدا للثقافة.
3
وهذا يعني أن المنطقة التي كانت نواة مملكة إسرائيل لم تكن ذات طابع إثني مميز مع بداية عودة الاستيطان إلى الهضاب المركزية، ومفهوم إسرائيل لم يكن له وجود. ثم بدأ التكوين الإثني بالتوضح في سياق عملية التوطن خلال عصر الحديد الأول. ذلك أن توطيد التبادل التجاري المحلي قد أدى تدريجيا إلى تشكيل بنى سياسية بدائية على شكل عشائر تقاربت تدريجيا، ثم قادت المركزية السياسية المتزايدة - والتي أملتها الشروط المتعلقة بإدارة نظام اقتصادي دخل مرحلة الازدهار - إلى تكوين الدولة وبناء مدينة السامرة. وبذلك يكون الطابع الإثني لمنطقة إسرائيل قد جاء نتيجة عملية معقدة وطويلة، ولم يكن سابقا عليها. وهذا يعني أن استخدام مصطلح إسرائيل للدلالة على أرض أو على شعب أو على تكوين سياسي؛ لا معنى له قبل ظهور دولة إسرائيل السياسية في مطلع القرن التاسع، ولا معنى له بعد دمارها النهائي عام 721ق.م.
4
وفيما يتعلق بيهوذا، فقد شهدت المنطقة خلال القرن العاشر وأوائل القرن التاسع قبل الميلاد تحولا من اقتصاد محصور بالرعوية إلى اقتصاد القرية. وخلال القرنين التاليين، أي التاسع والثامن قبل الميلاد، شهدت هضاب يهوذا ازديادا متسارعا في السكان أدى إلى توضيح بنيتها السياسية كمنطقة موحدة. وقد ساعد على ذلك تركيز المزارعين على الزراعة المكثفة، واعتماد شبكة تجارة محلية ودولية، موضوعها منتجات التبادل النقدي، مثل الزيوت والخمور والأخشاب وغيرها. أما مدينة أورشليم، فلم تكن في مطلع عصر الحديد الثاني (1000ق.م.) سوى بلدة متواضعة بمقياس ذلك العصر، ولم يكن لها نفوذ إلا على المنطقة الزراعية الصغيرة المحيطة بها. وقد أخذ النفوذ السياسي للمدينة بالتزايد مع توسع عملية الاستيطان في تلال يهوذا في سياق عصر الحديد الثاني، وزيادة حجم الإنتاج الزراعي والحيواني، وتوسع عملية التبادل التجاري. فصارت أورشليم مركزا لتسويق السلع التجارية، وأخذت تبسط سلطتها السياسية على قرى منطقة يهوذا، التي لم تخضع حتى ذلك الوقت إلى سلطة مركزية، ثم دخلت في منافسة حادة مع مراكز حضرية مهمة أخرى في الجنوب، مثل جازر ولخيش وحبرون. إلا أن أورشليم لم تأخذ وضع الدولة الإقليمية القوية فعلا قبل الربع الأخير للقرن الثامن قبل الميلاد. وقد ساعدها على تحقيق هذا الوضع دمار مدينة السامرة عاصمة إسرائيل، ودمار لخيش في الجنوب، فاستوعبت المهاجرين من المناطق المنكوبة، وتزايد عدد سكانها بشكل ملحوظ، وتشكلت فيها نخبة اجتماعية وسياسية مسيطرة، ومال مجتمعها من البساطة نحو التركيب والتمايز الطبقي. وفي هذا الوقت بالذات يمكن أن نتصور بناء معبد كبير على درجة ما من الفخامة والأبهة الموصوفة في سفر الملوك الأول. إن تزايد ثروة أورشليم وازدهار أوضاع النخبة فيها، وتزايد تداخلها في سياسة التجارة الدولية، قد أدى أخيرا إلى صدامها مع آشور، ثم إلى دمارها فيما بعد على يد البابليين عام 578ق.م.
5
اعتمادا على كل ما قدمناه حتى الآن نستطيع تلخيص ما توصلنا إليه حول إسرائيل التوراتية وعلاقتها بإسرائيل التاريخية بالنقاط التالية: (1)
Página desconocida