Aram de Damasco e Israel
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Géneros
وقد سار بقية الباحثين على منوال هاليفي . يقول واين بيتارد في كتابه «دمشق في العصور القديمة» ما يلي: «في أيام داود كانت مملكة صوبة أقوى وأهم دولة في وسط وجنوب سوريا، وخصما عنيدا للمملكة الإسرائيلية الجديدة. أما عن موقع هذه الدولة وحدودها، فإن معظم الباحثين اليوم يضعونها في البقاع الشمالي، مع امتدادات نحو الشرق تصل إلى سهول حمص وتتجاوزها حتى البادية.»
3
لقد ورد الاسم صوبة لأول مرة في سفر صموئيل الأول، الذي يذكر أن الملك شاول قد ضرب ملوك صوبة: «وحارب جميع أعدائه من حواليه؛ موآب وعمون وآدوم وملوك صوبة والفلسطينيين» (صموئيل الأول، 14: 47). وهذا يعني أن صوبة هي منطقة جغرافية وليست مملكة، وأن الملوك المذكورين هنا ليسوا سوى مشايخ قبائل نظرا للإشارة إليهم بصيغة الجمع. ولكننا في عصر داود نجدها فجأة، وبعد عدة سنوات، عبارة عن مملكة يحكمها ملك واحد اسمه هدد عزر. أما المصادر الخارجية فصامتة تماما عن ذكر هذه المملكة وعن ذكر ملكها هدد عزر، الذي لم يرد له ذكر خارج النص التوراتي. ونحن نعجب كيف تكون مملكة صوبة في القرن العاشر قبل الميلاد «أقوى وأهم دولة في وسط وجنوب سوريا» (على حد تعبير المؤرخ بيتارد، الذي اقتبسنا منه أعلاه) ثم لا تحفل النصوص الآشورية والنصوص الآرامية بذكرها. ومن جهة أخرى، فإنه لم يتوفر لدينا من منطقة البقاع الشمالي حتى الآن أية لقى أثرية يمكن أن تشير إلى وجود هذه المملكة، أو عاصمتها، التي لم يذكرها النص التوراتي، أو أي مدينة من المدن التابعة لها. وكل هذا يشير بكل وضوح إلى أن مملكة صوبة التوراتية لم تكن إلا إمارة أو مشيخة قبلية قريبة زمنيا من عصر تحرير التوراة، وأن المحرر التوراتي قد استعان بأخبار غامضة عن حروب أحد ملوك السامرة أو أورشليم المتأخرين مع هذه الإمارة الصغيرة، وأدمجها في أخبار حروب داود.
أما بخصوص الممالك الأخرى التي حالفت صوبة، وهي آرام بيت رحوب ومعكة وطوب، فقد وصفت أيضا من قبل المؤرخين بأنها دويلات هامة، وجرى تعيين مناطقها ورسم حدودها اعتمادا على الإشارات الغامضة إليها في النص التوراتي. ففيما يتعلق ببيت رحوب، جرى لمدة طويلة مطابقة هذه المملكة مع موقع رحاب على بعد 50كم إلى الشمال من مدينة عمان الحالية، ولكن التنقيب الأثري في الموقع لم يعثر على أية لقى أثرية ترجع إلى عصر الحديد الأول؛ لذا فقد نقل الباحثون موقع بيت رحوب وجعلوه في أسفل البقاع الجنوبي، من هؤلاء الباحثين: دبون سومر، وأوكالاهان، وأنغر وغيرهم. أما معكة فقد وضعت في سفوح جبل الحرمون مع امتدادات تصل إلى بحيرة الحولة، وأما طوب فقد وضعت في منطقة حوران الجنوبية.
4
ولكن هذا التعيين التعسفي لمناطق هذه الممالك - التي يصفها النص التوراتي بالممالك الآرامية - لا يستند إلى أية بينة موضوعية خارجية، فالنصوص الآرامية والنصوص الآشورية التي اعتمد عليها المؤرخون لكتابة تاريخ آرام في عصر الحديد لم تأت على ذكر هذه الممالك، كما أن التنقيبات الأثرية في المناطق المفترضة لقيامها لم تنتج حتى الآن أية بينة على وجودها. الأمر الذي يدل على أنها لم تكن أيضا إلا مشيخات قبلية دخلت في صراع مع بعض ملوك السامرة أو يهوذا المتأخرين.
ويستنتج المؤرخون من الإشارة المبهمة القائلة: «فجاء آرام دمشق لنجدة هدد عزر ...» بأن مدينة دمشق كانت في ذلك الوقت تابعة لهدد عزر ملك صوبة، وأن داود قد استبدل بإدارة هدد عزر إدارة من قبله، وعين على المدينة محافظين تابعين له مباشرة.
5
غير أن القراءة العادية للنص والبعيدة عن التأويل تقول لنا إن هدد عزر قد دخل الحرب مع داود منفردا وبقواته الخاصة، ولو كانت دمشق في ذلك الوقت ولاية تابعة لصوبة لكانت قواتها في عداد جيش هدد عزر بشكل تلقائي. ومما يؤكد هذا المرمى الواضح للنص أن دمشق قد قررت فيما بعد، وبشكل مستقل، أن ترسل جيشها لنجدة آرام صوبة. أما عن تبعية دمشق لداود، وعن أولئك المحافظين الذين عينهم لإدارتها، فإن نص سفر الملوك الأول، الذي يرصد أخبار الملك سليمان، يخبرنا فيما بعد أن أحد رجالات هدد عزر المدعو رزون بن أليداع قد استقل عن سيده وجاء إلى دمشق فملك فيها (الملوك الأول، 11: 23-24). وبذلك يتجاهل سفر الملوك الأول مسألة تبعية دمشق لداود، ولا يأتي على ذكر أولئك المحافظين الذين عينهم من قبله. وبشكل عام، فإن الطريقة المبهمة التي تحدث فيها عن دمشق محرر سفر صموئيل الثاني، تدل على أنه لم يكن يملك عنها معلومات واضحة ترقى إلى ذلك العصر، فذكرها باقتضاب ودون تفاصيل تتعلق بتكوينها السياسي واسم ملكها وأوضاعها العامة. وأغلب الظن أن هذه الحرب المفترضة بين داود ودمشق هي انعكاس للأخبار المتأخرة عن حروب ملوك دمشق وملوك السامرة ويهوذا، بعد ذلك بأكثر من قرنين من الزمان، والتي توفرت للمحرر التوراتي بعض المعلومات عنها، كما سنوضح ذلك لاحقا.
في المعركة الثانية مع آرام صوبة يقول النص إن هدد عزر قد «أبرز آرام الذي في عبر النهر، فأتوا إلى حيلام وأمامهم شوبك رئيس جيش هدد عزر.» ويبني المؤرخون على هذا الخبر أن ملك صوبة كانت له سلطة غير مباشرة على الدويلات الآرامية القائمة عند نهر الفرات، وأن هذه الدويلات قد اجتمعت معا تحت لواء هدد عزر وأتت إلى حيلام لقتال داود. ثم يسيرون أبعد من ذلك في استنتاجاتهم ويتوصلون إلى أن انتصار داود على هدد عزر وحلفائه، الذين جاءوا من عبر النهر، قد أوصل قوات داود إلى نهر الفرات، وأنه قد أخضع كل المناطق الواقعة بين الفرات ودمشق. فإلى أي حد تتطابق هذه الاستنتاجات مع الوقائع التاريخية؟
Página desconocida