Aram de Damasco e Israel
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Géneros
6
وقد قدم علم الآثار لأصحاب هذا الرأي مادة غنية باكتشافه لآثار تدمير واسع للمدن الفلسطينية خلال هذه الفترة المفترضة لدخول الإسرائيليين إلى كنعان، الأمر الذي سهل أمامهم ربط هذا التدمير بعمليات يشوع العسكرية، على ما في هذا الربط من تعسف تاريخي كما سنرى في حينه لاحقا.
وفي الحقيقة فإن أرض رعمسيس ومدينة رعمسيس - مما ورد ذكره في سفر الخروج - مسألة لا يمكن الاعتماد عليها في تحديد زمن الخروج؛ لأن المحرر التوراتي قد استخدم اسم أرض رعمسيس في الإشارة إلى منطقة الدلتا منذ أيام يوسف، أي قبل بناء مدينة رمسيس بحوالي خمسمائة سنة. نقرأ في التكوين (47: 11): «فأسكن يوسف أباه وإخوته وأعطاهم ملكا في مصر في أفضل الأرض، في أرض رعمسيس، كما أمر فرعون.» وهذا يعني أن المحرر التوراتي، الذي كان يكتب سفر الخروج في فترة متأخرة من الألف الأول قبل الميلاد، قد استخدم الاسم الذي يعرفه لمنطقة الدلتا بصرف النظر عن ارتباط هذا الاسم بفترة تاريخية معينة. ومن ناحية أخرى، فإنه يحق لنا هنا أن نتساءل: لماذا ذكرت رواية الخروج اسم أرض رعمسيس أو مدينة رعمسيس، وغفلت عن ذكر اسم فرعون الخروج الذي من المفترض أن يكون رعمسيس نفسه؟
ورغم أن فريقا آخر من المؤرخين قد التزم الخطوط العريضة للتفسير التاريخي المطروح، إلا أنه في مواجهة الغموض الشامل للمعطيات التاريخية قد لجأ إلى صياغة «سيناريو» معقول، يستبدل التاريخ الموثق بسلسلة متصورة من الأحداث التي يمكن أن تكون قد وقعت. ولعل من أكثر هذه السيناريوهات جاذبية وحسن صنعة وخيال ما تقدمت به عالمة الآثار السيدة كاثلين كينيون على هامش دراستها الأركيولوجية القيمة للأرض المقدسة، تقول كينيون: «تكمن صعوبة التقييم التاريخي لمسألة الخروج في أن الأسفار الأولى للكتاب المقدس قد جاءت نتاجا لتجميع عدد كبير من التقاليد القبلية، حاول المحررون صياغتها في نص مطرد عن تحركات جماعات اعتقدوا أنها كانت تشكل شعبا واحدا منذ البداية. ولقد كان من نتائج إعادة الصياغة هذه أن المحررين قد أظهروا أن تلك القبائل كلها قد شاركت في الخروج، ومرت بالتجربة الدينية ذاتها في سيناء. ولكن الاحتمال الأقوى هو أن القبائل التي استقرت في فلسطين كانت من أصول مختلفة ومتنوعة. ويبدو لي أن طلائع الإسرائيليين كانت مؤلفة من ثلاث جماعات رئيسية؛ الأولى كانت تقيم في بعض مناطق فلسطين وشرقي الأردن، ولم تشارك أبدا في الرحيل إلى مصر أو الخروج منها. والثانية نزحت إلى مصر ثم طردت منها، فيما يمكن وصفه بالخروج الإجباري إثر مشاركتها في حوادث عصيان وتمرد، وقد حاولت هذه الجماعة المطرودة دخول فلسطين من الجنوب.
7
أما الجماعة الثالثة، وهي الجماعة التي تدور حولها معظم أحداث الخروج، فقد تشكلت من أشتات من المستعبدين المسخرين في بناء المشاريع العامة، تضافروا على الهروب من وجه أسيادهم، فعبروا سيناء نحو الأطراف الصحراوية لشرقي الأردن، فعاشوا هناك حياة رعوية لفترة لا بأس بها قبل أن يدخلوا فلسطين من الجهة الشرقية عبر نهر الأردن. وإن مثل هذا الخروج يناسب تاريخيا فترة حكم رمسيس الثاني، وهي الفترة الوحيدة التي كان للمصريين، بعد الهكسوس، عاصمة في الدلتا. فصعد هؤلاء بقيادة موسى حوالي عام 1260ق.م. هاربين من مدينة رمسيس ...»
8
يطرح مسار الخروج - من أرض رعمسيس إلى قادش برنيع فشرقي الأردن - إشكالات أخرى لا تقل عن إشكالات زمن الخروج. فلقد تفادى الهاربون الطريق الدولي المعروف بطريق البحر، وهو الطريق الأقصر الذي يصل الدلتا بمناطق فلسطين الساحلية، وفضلوا عليه الدوران عبر مسلك صحراوي طويل جدا. ويسوغ النص التوراتي هذا الخيار غير المنطقي بالخوف من المواجهة العسكرية المتوقعة في أرض فلسطين: «وكان لما أطلق فرعون الشعب أن الله لم يهدهم في طريق أرض الفلسطينيين مع أنها قريبة. لأن الله قال: لئلا يندم الشعب إذا رأوا حربا ويرجعوا إلى مصر. فأدار الله الشعب في طريق برية بحر سوف ...» (الخروج، 13: 17-18). نلاحظ هنا أن المحرر قد استخدم تسمية أرض الفلسطينيين للدلالة على المناطق الساحلية الجنوبية لفلسطين، علما أن أول ذكر للفلسطينيين (أو الفلستيين) ورد في نص للفرعون مرنفتاح، الذي رد هجوم شعوب البحر عن مصر، وبينهم هؤلاء الفلستيون، حوالي عام 1185ق.م. أي بعد التاريخ المفترض للخروج بنصف قرن على الأقل، وعندما لم يكن هؤلاء قد توطنوا على الساحل وأسسوا مدنهم الخمس المعروفة. وهذا يدل بوضوح على أن المحرر كان يستند إلى التسميات الجغرافية المعروفة لديه وقت تحرير الأسفار؛ لأن هذه المناطق الساحلية من فلسطين بقيت تدعى بأرض الفلستيين حتى العصر الفارسي. بعد عبورهم البحر يتجه الهاربون إلى أعماق سيناء وهدفهم جبل حوريب، وبعد إقامتهم عند الجبل سنة وتسعة أشهر تقريبا يتحركون شمالا نحو قادش برنيع.
وفي الحقيقة، فإن البحث الأثري والتاريخي قد أخفق حتى الآن في تحديد مسار الخروج اعتمادا على الرواية التوراتية. فالمواقع التي مر بها الإسرائيليون، مثل مارة وإيليم وغيرها، غير مذكورة خارج النص التوراتي، والمواقع التي تحمل أسماء مشابهة في سيناء لم يعط المسح الأركيولوجي فيها نتائج تشجع على إجراء أية مطابقة بينها وبين مواقع الخروج، بما في ذلك موقع جبل موسى المعروف تقليديا بأنه جبل حوريب. فتسمية جبل موسى هي تسمية حديثة وليست قديمة، وجاءت عقب بناء كنيسة القديسة كاترين البيزنطية في الموقع. وفيما يتعلق بموقع قادش برنيع، الذي أقام فيه الإسرائيليون ثمانيا وثلاثين سنة، فإن التنقيب الأثري لم يتوصل إلى الكشف عن آثار سكنية ترجع إلى ما قبل أواخر القرن العاشر قبل الميلاد. وكذلك الأمر في موقع حشبون الذي انتزعه الإسرائيليون من سكانه الآموريين في شرقي الأردن، فقد جرت مطابقة هذا الموقع مع الموقع الحديث لبلدة حسبان، ولكن التنقيب في حسبان لم يعطنا آثارا سكنية ترجع إلى زمن الخروج.
9
Página desconocida