Aram de Damasco e Israel
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Géneros
إن جل المؤرخين والآثاريين اليوم يعترف بعدم وجود مرجعية غير توراتية، يمكن أن تسهل إقامة وضع إطار تاريخي لأحداث سفر التكوين. من هنا، فإن واقع البحث الأكاديمي يتدرج بين موقف معتدل يقول بوجود عناصر تاريخية في روايات الآباء، من دون إرجاع هذه الروايات لأي فترة تاريخية محددة، إلى الموقف المتحرر الذي يرى بأن روايات الآباء ليست إلا من قبيل القص الخيالي، ولا تتمتع بسند تاريخي. فالباحث ديفو الذي يقف موقف الوسط بين المحافظين والمتحررين، يظهر في كتابه الموسوعي عن تاريخ إسرائيل شكه في إمكانية إرجاع عصر الآباء، بثقة علمية، إلى فترة تاريخية معينة، رغم قوله بوجود أساس تاريخي لروايات سفر التكوين. وهو يتراجع بشكل كامل عن آرائه السابقة، التي ساهم من خلالها بدعم موقف مدرسة أولبرايت، الذي ينطلق من إجراء المقارنات العامة مع ثقافة عصر البرونز الوسيط.
10
أما الباحث فان سيتير، الذي يبتدئ دراسته لعصر الآباء بتحري المصادر الخارجية كلها (غير التوراتية)، وما يمكن أن تقدمه من بينات في صالح تاريخية روايات الآباء، وإرجاعها إلى عصر البرونز الوسيط، فإنه يتوصل إلى نتيجة مفادها أن البينات المتوفرة حتى الآن غير كافية وغير مقنعة، وأن قصص الآباء لم تكن في أصلها تقاليد مكتوبة أو شفهية متداولة من عصور البرونز الوسيط، بل هي قصص مكتوبة وموضوعة لأول مرة خلال فترة السبي البابلي وما بعده، وهي في خطوطها العامة، وما تتضمنه من تفاصيل وعادات، وأسماء علم، وعلاقات اجتماعية، إنما تعكس الأوضاع العامة السائدة في فترة التدوين، أي منتصف الألف الأول قبل الميلاد.
11
ويتفق الباحث غربيني مع فان سيتير في أن روايات الآباء قد دونت خلال منتصف الألف الأول قبل الميلاد، ولكن اعتمادا على تقاليد متفرقة وذات أصول مختلفة، وانطلاقا من دوافع أيديولوجية، فهي تعكس بشكل رئيسي فهم يهوذا المسبية لنفسها ، وطريقة رسمها لأصولها. من هنا يؤكد غربيني على ضرورة إعادة دراسة وتقييم التاريخ المبكر لإسرائيل بعيدا عن الدوافع اللاهوتية، التي تكمن وراء الواجهة العلمية لمناهج الباحثين المحافظين.
12
ويتحدث الباحث ك. ماك كارتر عن الدوافع الأيديولوجية وراء صياغة روايات الآباء فيقول: «علينا أن ننتبه دوما في دراستنا لروايات الآباء إلى أن هذه الروايات هي أيديولوجيا وليست تاريخا. لقد صيغت إبان الألف الأول قبل الميلاد من أجل التأسيس اللاهوتي والسياسي للشعب الإسرائيلي؛ ولذا لا يمكن التعامل معها كتاريخ بأي معنى من المعاني الحديثة لهذه الكلمة. لقد نشأت هذه الروايات مع بدايات تشكل الجماعة التي ندعوها إسرائيل (والباحث هنا يقصد مطلع الألف الأول قبل الميلاد)، وساعدت على خلق هذه الجماعة عن طريق تزويدها بالإطار الاجتماعي اللازم لها. فإسرائيل لم تكن لتوجد في معزل عن القصة، تلك القصة التي وضعت القاعدة لفهم الذات وللتنظيم الاجتماعي. لقد أعطت القصة للجماعة تعريفا وتحديدا.» ويلاحظ هذا الباحث بشكل خاص ذلك الإصرار الواضح في سفر التكوين على الأصل الخارجي لجماعات عصر الآباء. فالقصص، واحدة إثر أخرى، تؤكد على أن أسلاف بني إسرائيل كانوا غرباء في كنعان، وأنهم قد أتوا من «عبر النهر» أي: نهر الفرات، ومن هنا، في رأيه، جاءت تسمية عبراني وعبرانيون (= عبريم باللغة التوراتية). ويفسر هذا التوكيد بأنه نوع من التمييز العرقي للجماعات المختلفة التي كونت تدريجيا شعب إسرائيل، رغم أن القسم الأكبر من هذه الجماعات قد جاء من أصل محلي. ويبدو أن هذا التمييز المصطنع الذي ساعد على توحيد هذه الجماعات، وإعطائها هوية واضحة، قد جاء في سياق التناقض بين سكان الهضاب حيث تشكلت دولة إسرائيل فيما بعد، وسكان السهول والوديان من أهل دويلات المدن الفلسطينية القديمة.
13
وأخيرا، فإن ما قدمناه من نقد نصي وتاريخي وأركيولوجي لسفر التكوين، وما استعرضناه من نتائج البحث الأكاديمي الحديث خلال ربع القرن الأخير من القرن العشرين؛ لا يؤدي بنا إلا إلى إسقاط عصر الآباء تماما من مرتبة التاريخ، وجعله في زمرة الملاحم الشعبية والقصص البطولي المعروف في تراث الشعوب كلها.
الفصل الثالث
Página desconocida