Aram de Damasco e Israel
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Géneros
لم تعمر المملكة المتوسطة التي قامت في مصر مع مطلع البرونز الوسيط إلا حوالي قرنين من الزمان، فحوالي عام 1730ق.م. استولى على الحكم الجماعات المعروفة في التاريخ باسم الهكسوس، وتبدأ في مصر الفترة التي يدعوها المؤرخون بالفترة المعترضة الثانية. يتفق معظم دارسي اللغة المصرية القديمة على أن كلمة هكسوس تعني «حكام الأراضي الأجنبية» (الحكام الذين جاءوا من أراض أجنبية)، من هنا، فإن معرفة أصلهم ومصدرهم أمر مستحيل اعتمادا على النصوص الهيروغليفية المصرية، وذلك فيما عدا كونهم قد أتوا من آسيا الغربية. ورغم أن معظم أسماء الملوك الهكسوس سامية، إلا أننا نعثر بينها على أسماء غير سامية أيضا، الأمر الذي يدل على وجود عناصر مختلطة في التركيب الإثني (العرقي) لهذه الجماعات. وربما كانت العناصر غير السامية قد جاءت من أصل حوري، فقد تميزت بداية عصر البرونز الوسيط بحدوث تحركات سكانية كبيرة من وإلى المنطقة السورية، أهمها تلك الهجرة الواسعة لجماعات غير سامية وفدت من الشرق والشمال الشرقي لتستقر في الشمال السوري والجزيرة العليا، وتشكل عدة ممالك قوية، أهمها مملكة ميتاني. ورغم أن لغة هؤلاء الحوريين لا تنتمي إلى أسرة لغات معروفة، سامية كانت أم هندو-أوروبية، إلا أن الطبقة العسكرية الحاكمة للجماعات الحورية كانت من أصل هندو-أوروبي. وبعد الموجة الرئيسية التي جاءت بالحوريين إلى المناطق المذكورة أعلاه، لدينا دلائل على موجات صغيرة حملت جماعات منهم خلال عصر البرونز الوسيط إلى كل مكان تقريبا من بلاد الشام. وبما أنه لا يوجد لدينا دليل على غزو أو انسياح حوري واسع النطاق نحو الغرب والجنوب، فإن من المرجح أن تكون هذه الموجات الصغيرة من تحركات الحوريين قد جاءت نتيجة تسرب سلمي تدريجي. وقد اختلطت هذه الجماعات الحورية بالسكان المحليين تدريجيا، وحافظت على لغتها فترة لا بأس بها قبل أن تذوب تماما في محيطها السامي. ونستدل من رسائل تل العمارنة المتبادلة بين حكام فلسطين والبلاط الفرعوني حوالي عام 1350ق.م. على وجود حكام حوريين على رأس عدد من الممالك السورية. ولدينا من مدينة أوغاريت شواهد على وجود جالية حورية كبيرة ونشطة في المدينة حوالي عام 1400ق.م.، وهذا يعني أن التواجد الحوري في سوريا قد استمر قويا وفعالا حتى عصر البرونز الأخير. وإلى جانب التحركات الحورية، لدينا شواهد على تحركات محدودة لجماعات هندو-أوروبية وفدت إلى سوريا خلال عصر البرونز الوسيط من آسيا الصغرى. ونجد بشكل خاص في أوغاريت وآلالاخ عددا لا بأس به من أسماء الأشخاص مكتوبة بالقلم الحثي اللوفياني.
وإلى جانب هذه التحركات الحورية والهندو-أوروبية، لدينا في عصر البرونز الوسيط تحركات واسعة النطاق لجماعات معروفة باسم الخابيرو. وعلى عكس الحوريين والهندو-أوروبيين، فإن هؤلاء الخابيرو لم يكونوا جماعة عرقية متميزة، بل أخلاطا من أجناس شتى. ولا تساعدنا أسماء العلم الدالة على أفراد منهم، في نصوص مملكة ماري وغيرها من ممالك البرونز الوسيط، على تبين لغة واحدة تجمع بينهم، كما أن هذه النصوص لا تساعدنا على تحديد نمط حياة موحد لهذه الجماعات، فأحيانا نجدهم جنودا مرتزقة، وأحيانا عمالا مأجورين في حقول الزراعة ، وأحيانا جماعات هائمة من النهابين وقطاع الطرق. وتزودنا نصوص مملكة ماري بشكل خاص بمعلومات عن هؤلاء الخابيرو الذين كانوا يتواجدون بكثرة في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها، وفي المناطق المحيطة بها. وتشير هذه النصوص إلى جماعتين رئيستين من الخابيرو، هما «بنو-يامينا» أو أهل الجنوب، و«بنو-شمأل» أي: أهل الشمال. ونعرف منها أن بعض هؤلاء كان يعمل في الزراعة ويقيم في قرى أو معسكرات خاصة، وبعضهم كان يمارس الرعي المأجور للآخرين، أو يحصد ويدرس مواسم القمح لهم. ومن النصوص الحثية نعرف أن جماعات من الخابيرو كانت تستأجر لأعمال النقل والخدمة في الجيش. ومن نصوص أوغاريت وآلالاخ نعرف أن جماعات منهم كانت منتشرة في تلك المناطق، وكانت تقدم خدماتها للملوك المحليين لقاء أجور عينية أو نقدية، أو على شكل أراض زراعية في بعض الأحيان. كما كانت مناطق تواجدهم تشكل موئلا للهاربين من يد العدالة.
19
فالخابيرو، والحالة هذه، هم فئة اجتماعية وليسوا فئة عرقية، إنهم شتات من الجماعات التي لم تجد لها مكانا في الهيكل الاجتماعي والسياسي لدويلات وممالك عصر البرونز الوسيط، فآلت إلى حالة هامشية تعيش في قلق واضطراب وحركة دائمة، تحت قيادات سياسية مؤقتة لا تتمتع بالديمومة والاستقرار. بعض هؤلاء الخابيرو وفد إلى المنطقة من خارجها، وبعضهم جاء من البوادي الداخلية، وبعضهم من شذاذ الآفاق والمغامرين، أو من حثالة الشرائح السفلى للمجتمعات الحضرية تبحث عن حظوظ جديدة. ففي أوقات انعدام الأمن كان الخابيرو يلجئون إلى السلب والنهب، وعند استتباب الأمن كانوا يتقدمون للعمل المأجور، وفي أوقات الحروب كانوا يتحولون إلى مرتزقة يحاربون إلى هذا الجانب أو ذاك. ونحن إذا لم نقبل بنظرية الأصل المحلي للهكسوس، والتي أشرنا إليها منذ قليل، فإن أكثر النظريات قربا لواقع حال عصر البرونز الوسيط هي التي تجعلهم جماعات من الخابيرو حققت نوعا من التلاحم الداخلي تحت قيادات سياسية قادرة، قادتها نحو الدلتا المصرية.
في عصر البرونز الوسيط هذا تبدأ القصة التوراتية، على ما يجمع عليه المؤرخون والباحثون التوراتيون. وفي هذا العالم الذي يموج بثقافات عالية ، وتتلاقى عبره الأفكار التي ستمهد لكل منجزات التاريخ الإنساني اللاحق، تبدأ قصة أصول إسرائيل التوراتية، مع عائلة تهيم على وجهها انطلاقا من مدينة أور على الفرات الأدنى، على عادة تلك الجماعات الهائمة من صيادي الحظ، المقتلعين من جذورهم الاجتماعية، ممن غذوا - عادة - تجمعات الخابيرو على حدود المراكز الحضرية.
ولسوف نتتبع القصة التوراتية وفق التحقيب الزمني المتعارف عليه، والمستمد من كتاب التوراة نفسه، والذي يقسم القصة إلى العصور التالية: (1) عصر الآباء. (2) العبودية في مصر، والخروج. (3) اقتحام كنعان. (4) عصر القضاة. (5) المملكة الموحدة. (6) المملكة المنقسمة (إسرائيل ويهوذا).
الفصل الثاني
عصر الآباء
تنتهي سلسلة نسب سام بن نوح، في سفر التكوين أول الأسفار التوراتية، إلى المدعو تارح أبي أبرام (أبو إبراهيم)، ومع تارح هذا تبدأ قصة الأصول التوراتية. لا يقدم الإصحاح الحادي عشر من سفر التكوين أية معلومات تفيد في رسم صورة شخصية واضحة للمدعو تارح، ومعرفة أي شيء عن حياته السابقة ومنبته ومهنته. ولا نعرف سوى أنه قد غادر منطقة أور الكلدانية متجها إلى أرض كنعان، وفي الطريق حط الرحال في مدينة حران في أقصى الشمال السوري غربي الفرات الأعلى، ومعه ابنه أبرام وزوجة ابنه المدعوة ساراي، وحفيده لوط ابن ابنه هاران المتوفى. ولسبب لا يفصح عنه النص، أقام تارح مع جماعته في حران إلى أن وافته المنية وعمره مائتان وخمس سنين (تك، 11: 27-32). ومرة أخرى، لا نعرف ما الذي كان يمارسه تارح وجماعته من مهنة في حران، ولا يقدم لنا النص أية معلومات عن طبيعة حياتهم فيها، ولكننا نعرف من الإصحاح الثاني عشر أن أبرام ولوطا قد غادرا حران بعد موت تارح ومعهما مقتنيات كثيرة وعبيد، لا ندري كيف حصلا عليها.
يخرج أبرام من حران متابعا رحلة أبيه تارح نحو أرض كنعان، ويكون خروجه بأمر الرب الذي خاطبه قائلا: «اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك» (تك، 12: 1-2)، وكان عمر أبرام في ذلك الوقت خمسا وسبعين سنة. كانت مدينة شكيم في شمال فلسطين أول محطة لأبرام، ومنها نزل جنوبا فخيم بين مدينتي بيت إيل وعاي، حيث بنى مذبحا للرب، ثم واصل ارتحاله جنوبا دون تحديد الموقع الذي وصل إليه. ثم إن جوعا حصل في الأرض دفع أبرام إلى مصر، وهناك قال لساراي زوجته أن تدعي بأنها أخته حتى لا يقتل بسببها؛ ذلك أن المرأة المتزوجة في مجتمعات الشرق القديم كانت تتمتع بحصانة، على عكس المرأة العازبة، وقد خاف أبرام أن يدبر له المصريون مكيدة تودي بحياته ليكونوا أحرارا في التصرف بزوجته. رأى المصريون أن المرأة حسنة جدا (على حد تعبير النص)، فأخذت ساراي إلى بيت فرعون وانضمت إلى حريمه، رغم أنها كانت في سن الخامسة والستين من العمر على الأقل.
Página desconocida