Opiniones críticas sobre problemas de pensamiento y cultura
آراء نقدية في مشكلات الفكر والثقافة
Géneros
والسؤال الذي يتعين على هذه البلاد أن تطرحه بأمانة وتبحث عن إجابة صادقة عنه هو: ما السمات المميزة لهذا التحول من التخلف إلى الاشتراكية مباشرة؟ وكيف يمكن تجنب المشكلات التي يثيرها هذا التحول المباشر؟
إن النمط الكلاسيكي للتحول إلى الاشتراكية يكتسب - كما قلنا من قبل - مزايا كثيرة؛ إذ إنه يستفيد من جميع الخبرات التي تكتسبها الرأسمالية في مرحلة تقدمها الظافر، بحيث يبدأ المجتمع الاشتراكي مسيرته مسلحا بتصنيع متقدم، وبأساليب إنتاجية راقية وبقدرات إدارية وتنظيمية فعالة، فضلا عن إفادته من التقدم العلمي والتكنولوجي الكبير الذي كان ملازما للعصر الرأسمالي منذ بدايته، ولا يزال سمة من سماته حتى اليوم. وهكذا فإن الاشتراكية حين تصبح هي النظام السائد في مجتمع كهذا، تستطيع أن تبني نفسها على قاعدة صلبة من التقدم الاجتماعي، تضيف إليها علاقات إنسانية خالية من أي استغلال، وبذلك يمكنها أن تطلق أعظم الطاقات الخلاقة للإنسان من أجل بلوغ حياة أفضل ماديا وروحيا.
أما المجتمع الذي ينتقل من التخلف إلى الاشتراكية مباشرة فإن من المتوقع - نظريا - أن تكون مشكلاته أكثر تعقيدا؛ ذلك لأن المهام التي يتعين على الاشتراكية تحقيقها في مجتمع كهذا لا تنحصر في نطاق العلاقات الإنتاجية أو الإنسانية، بل إن أولى هذه المهام هي إيجاد قاعدة إنتاجية متينة عن طريق التصنيع بوجه خاص، وعن طريق التقدم الاقتصادي بوجه عام، وبعبارة أخرى فإن العالم الثالث حين يجرب الاشتراكية فإنه يجربها بوصفها وسيلة لبلوغ التقدم الاقتصادي، وللتغلب على التخلف وتجاوزه، لا بوصفها وسيلة للقضاء على الاستغلال الطبقي في مجتمع متقدم أصلا، وبعبارة موجزة فإن الاشتراكية يتعين عليها - في العالم الثالث - أن تحقق هدفي التقدم والعدالة الاجتماعية، على حين أن مهمتها - في العالم الذي مر بالمرحلة الرأسمالية - تقتصر أساسا على تحقيق هدف العدالة الاجتماعية.
مثل هذا الانتقال المباشر للمجتمع المتخلف إلى الاشتراكية يثري التجربة الاشتراكية ذاتها بعناصر إيجابية لا يمكن أن تظهر بنفس القدر من الوضوح في المجتمعات التي تمر أولا بالمرحلة الرأسمالية المتقدمة، ولكن هذا الانتقال يتضمن في الوقت نفسه عناصر سلبية ينبغي أن تتنبه لها المجتمعات المتخلفة إذا شاءت أن تواجه مشكلاتها بصدق وأمانة، حتى لا تتحمل الفكرة الاشتراكية ذاتها وزر التطبيق الفاسد، ولنبدأ بالعناصر الإيجابية:
أولا:
حين ينتقل مجتمع من حالة التخلف - التي قد تكون نظاما إقطاعيا أو قبليا أو استعماريا - إلى الاشتراكية مباشرة، فإن المكاسب التي يحققها هذا التحول للجماهير الشعبية تكون أوضح بكثير منها في المجتمعات التي تنتقل من الرأسمالية المتقدمة إلى الاشتراكية، ففي هذه الحالة الأخيرة قد يؤدي تطبيق المبادئ الاشتراكية إلى حرمان الطبقات العليا وفئات من الطبقة المتوسطة من امتيازاتها القديمة، فيؤدي ذلك إلى تكوين قاعدة من السخط ربما انتقلت عدواها إلى بعض عناصر الطبقة العمالية ذاتها، أعني إلى العناصر المتطلعة إلى ترف الحياة، والتي تتخذ من الطبقات الأعلى منها أنموذجا تهفو إلى تحقيقه، أما في الحالة الأولى - أعني حالة المجتمعات المتخلفة - فإن القاعدة التي تنتفع من مكاسب الاشتراكية تكون أوسع بكثير، ومن السهل أن تنضم الجماهير الغفيرة إلى النظام الجديد قلبا وقالبا، بمجرد أن تقارن بين حياتها الجديدة وحياتها السابقة، ولا ينطبق ذلك على العمال وحدهم، بل إنه ينطبق أيضا على الفلاحين الذين يجدون في الاشتراكية منقذا لهم من الاستغلال البشع الذي كانوا يتعرضون له في ظل النظم الإقطاعية.
ثانيا:
يمكن أن يكون التخلف ذاته رصيدا يزيد من ثراء التجربة الاشتراكية في بلاد العالم الثالث؛ ذلك لأن هذه البلاد - التي تفتقر إلى التجارب السابقة في ميدان تنظيم الإنتاج الاقتصادي - يمكن أن تكون أكثر تفتحا لأية تجربة جديدة من البلاد التي استقرت فيها تقاليد معينة نتيجة لطول عهدها بأساليب الإنتاج الرأسمالية، وهنا نجد أن نفس العامل الذي ساعد بلادا معينة على المضي بخطى أسرع في طريق التصنيع الرأسمالي في أول عهد الثورة الصناعية، هو الذي يمكنه أن يجعل طريق العالم الثالث إلى التجديد في أساليب الإنتاج أيسر؛ فمن المعروف أن من الأسباب الهامة لظهور الثورة الصناعية في إنجلترا عدم وجود تقاليد راسخة تفرضها الطوائف الحرفية على أساليب الإنتاج، في الوقت الذي كانت فيه بلاد كثيرة من القارة الأوروبية تتمسك بالأساليب التقليدية التي ظلت تلك الطوائف تفرضها طوال أجيال عديدة متلاحقة، كذلك فإن وجود مصالح رأسمالية معينة، مرتبطة بأساليب خاصة في الإنتاج، يمكن أن يكون حائلا دون اتباع أساليب أخرى أو تقبل أفكار جديدة، ولكن هذه العوائق تزول كلها حين يبدأ المجتمع تجربته الاشتراكية دون أن تكبله أغلال تاريخ رأسمالي طويل.
ثالثا:
لما كانت معظم بلاد العالم الثالث قد خرجت حديثا من قبضة الاستعمار، فإن سعيها إلى التخلص من كل ارتباط بالاستعمار يجعلها أكثر حرصا على تطبيق الاشتراكية؛ لأن هذا التطبيق سيزيد من وثوق ارتباطها بالمعسكر المعادي للاستعمار، ولأن النظام الرأسمالي هو العامل الذي يرتد إليه - في نهاية الأمر - كل نزوع استعماري، وهنا تقوم الاشتراكية بدور ثالث إلى جانب الدورين اللذين أشرنا إليهما من قبل، وهما تحقيق التقدم الاقتصادي والعدالة الاجتماعية؛ فالاشتراكية هي - بالإضافة إلى ما سبق - وسيلة البلاد المتخلفة للتحرر الوطني الحقيقي، ولتحقيق استقلال لا تشوبه روابط ظاهرة أو خفية بالمصالح الاستعمارية القديمة.
Página desconocida