Opiniones filosóficas en la crisis de la época
آراء فلسفية في أزمة العصر
Géneros
ولكن الميزة الوحيدة التي كانت لديه، وهي الذكاء، كفلت له الأمن في نهاية الأمر، فتعلم استخدام النار، واستخدام القوس والنشاب، واللغة، والحيوان الأليف، ثم تعلم الزراعة أخيرا، وتعلم أن يتعاون في جماعات، وأن يبني القصور والأهرام الشاهقة، وأن يكتشف العالم من جميع الجهات، وأخيرا تعلم كيف يواجه الفقر والمرض، ودرس النجوم، واخترع الهندسة، وتعلم كيف يستعيض بالآلات عن العضلات في العمل الضروري، وبعض من نواحي التقدم هذه حديث جدا، ولا يزال مقصورا على الأمم الغربية.
ونحن أبناء العالم الغربي - حينما واجهتنا الشيوعية بنقدها المعادي - وقفنا موقف المتواضع المدافع أكثر مما ينبغي. إن طرائق التطور، خلال العصور الطويلة منذ بداية الحياة كما كررنا من قبل، استلزمت الآلام القاسية، والنضال المستمر في سبيل لقمة العيش، بل والموت جوعا - في نهاية الأمر - في أكثر الحالات. هذا هو ناموس مملكة الحيوان، وقد بقي هو ناموس الكائنات البشرية كذلك حتى القرن الحاضر، ثم اكتشفت بعض الأمم في نهاية الأمر كيف تتخلص من الفقر المدقع، وكيف تتخلص من الألم والأسى والإسراف في المواليد التي لا فائدة منها التي يحكم عليها بالموت قبل النضج، وكيف تستعيض بالعقل والحرص عن استهتار الطبيعة الأعمى.
والأمم التي قامت بهذا الاستكشاف هي الوصية على مستقبل البشرية، ويجب أن تكون لديها الشجاعة في طريقتها الجديدة في الحياة، ولا تسمح لنفسها أن تقف مذهولة في حيرة مما تذيعه الأمم شبه المتمدنة من شعارات. ومن حقنا أن نستمسك بالآمال المعقولة، والتي يمكن أن تفصل وأن تعرض في إحصاءات. وإذا نحن رضينا لأنفسنا أن نفقد هذه الآمال في سبيل أحلام غير معقولة، كنا خائنين للجنس البشري.
5
ولقد حقق العالم الغربي - إلى حد كبير إن لم يكن إلى كل حد - طريقة للحياة لها بعض المزايا المستحدثة في تاريخ البشرية، فاستطاع أن يتخلص من الفقر تقريبا، وهبط بالأمراض والموت إلى حد كان يعتبر خياليا منذ مائة عام، ونشر التعليم بين الناس جميعا، وحقق درجة جديدة كل الجدة من التوفيق بين الحرية والنظام. وهذه أمور لا تأمل آسيا في بلوغها إذا هي تعجلت استقلالها. ولما أدركنا في الغرب الفقر الشنيع في جنوب شرقي آسيا، واقتنعنا بأن هذا الفقر سلاح دعاية في أيدي الروس، بدأنا نفكر لأول مرة في ضرورة القيام بعمل ما لرفع مستوى الحياة في هذه الأقاليم. غير أن عادات الناس هناك ومعتقداتنا في أعينهم تجعل هذا الواجب في الوقت الحاضر أمرا لا رجاء فيه، وكل زيادة في الإنتاج - بدلا من أن ترفع مستوى الحياة - سرعان ما تبتلعها زيادة السكان. وأهل الشرق لا يعرفون كيف يتفادون ذلك، والمتعصبون من الغربيين يصرفون أولئك الذين يدركون المشكلة عن نشر المعرفة اللازمة. ما أيسر أن تنتشر مساوئ الغرب: القلق، والروح العسكرية، والغضب، واعتقادنا الجازم في الآلة. أما أفضل ما في الغرب - روح البحث الحر، وإدراك الظروف التي تؤدي إلى الرفاهية العامة، والتحرر من الخرافة - فإن الدول القوية في الغرب تصرف الشرق عن التحلي به. وما دامت هذه الحالة قائمة، فسوف يبقى أهل الشرق على حافة الفقر والعوز، وكلما زادوا قوة زادوا تخريبا من جراء الحقد والحسد، وستكون لهم روسيا - بطبيعة الحال - عونا في هذا، ما لم - أو حتى - تنهزم روسيا أو تتحرر.
6 (1-5) القواعد الخلقية للسعادة
تحدثت حتى الآن عن الأمور التي تحير الجماهير، ولكن ليست هذه الأمور وحدها هي التي تزعج العقول في الغرب؛ فلم يعد للمذاهب التقليدية في العقائد ولم يعد للنواميس التقليدية للأخلاق والسلوك سلطانها الذي كان لها من قبل. وكثيرا ما يقع الرجال والنساء في شك حقيقي مما هو حق ومما هو باطل، بل حتى في شك من أن الحق والباطل شيء فوق الخرافات القديمة. وعندما يحاولون أن يروا لأنفسهم رأيا في هذه الأمور، يجدون مشقة كبرى لا يطيقونها، فلا يستطيعون الكشف عن أي غرض واضح يسعون نحوه، أو أي مبدأ واضح يهتدون بهداه. وقد تكون لدى المجتمعات المستقرة مبادئ تبدو للبعيد سخيفة باطلة ، ولكن ما دامت المجتمعات مستقرة فإن مبادئها تفي بالغرض وفاء ذاتيا. ونعني أنها تكون مقبولة من كل امرئ تقريبا دون تساؤل، وأنها تجعل قواعد السلوك واضحة محددة وضوح قواعد النظم والنغم. بيد أن الحياة الحديثة في الغرب لا تشبع البتة في شيء قواعد النظم والنغم، وإنما هي أشبه شيء بالشعر المرسل الذي لا يميزه عن النثر إلا الشاعر. وهناك مجموعتان كبيرتان من العقائد أمام الرجل الحديث عندما يكون منهوك القوى الروحية، وأقصد نظام روما ونظام موسكو، وكلاهما لا يخلق مجالا للعقل الحر، وهو فخر الرجل في الغرب وسبب عذابه في آن واحد، وهو مصدر العذاب بسبب الآلام المتزايدة. إن الرجل الحر - إذا اكتمل نموه - كان مليئا بالسرور والنشاط والصحة العقلية، ولكنه يعاني في الوقت ذاته الآلام.
إن العالم - لا في الحياة العامة وحدها، ولكن في الحياة الخاصة كذلك - بحاجة إلى طرق للتفكير والشعور تتلاءم مع ما نعرف، ومع ما نستطيع أن نعتقد فيه، وما نشعر أننا مرغمون على عدم الإيمان به. وهناك طرائق للشعور تقليدية لها كل ما للرأي القديم الموزون من كرامة، ولكنها في الوقت عينه لا تتلاءم مع العالم الذي نعيش فيه، الذي جعلت فيه الوسائل الفنية الحديثة بعض الفضائل الجديدة ضرورية وبعض الفضائل القديمة غير ضرورية. إن أنبياء اليهود - عندما أطاحت بهم الأمم المعادية، وعزموا على ألا يبتلع الغزاة الكفار شعبهم - ابتدعوا مذهبا قاسيا الفكرة الأساسية فيه هي الخطيئة؛ فالكفار يخطئون دائما في كل ما يفعلون، ولكن اليهود - بكل أسف - كانوا مهيئين لأن يقعوا في الخطيئة هم أنفسهم. وعندما فعلوا ذلك انهزموا في المعركة، كان عليهم أن يذرفوا الدمع عند مياه بابليون. وهذا هو النمط الذي استمد منه رجال الأخلاق وحيهم من ذلك الحين، فصور الرجل الفاضل بأنه رجل بالرغم من إحاطته دائما بأسباب الإغراء، وبالرغم من تحريضه بشدة على ارتكاب الذنوب، يفلح - بقوة إرادته التي تكاد تكون فوق القدرة البشرية - في السير على الطريق الضيق المستقيم، ملتفتا في الوقت عينه بازدراء عن يمينه وشماله إلى تلك الكائنات الدنيا التي تلكأت لتلتقط ما يعترض طريقها من أزهار. والفضيلة بهذه الصورة شاقة، سلبية، قاحلة، مجدبة، وهي متزمتة متشككة في السعادة، وهي مدفوعة إلى الاقتناع بأن دوافعنا الطبيعية سيئة، وأن المجتمع لا يمكن أن يتماسك إلا عن طريق النواهي الصارمة. ولست أريد أن أزعم أن المجتمع يحتفظ بتماسكه إذا ارتكب الناس جرائم القتل والسرقة، وإنما أريد أن أقول إن نوع الرجل الذي أحب أن أراه في هذا العالم رجل ليس لديه دافع إلى القتل، ولا يمتنع عنه لتحريمه، وإنما يمتنع عنه لأن أفكاره ومشاعره تباعد بينه وبين دوافع التخريب، وكأن فكرة الذنب كلها قد اندثرت فيما يتعلق على الأقل بالتفكير والشعور الواعي. وأكثر الناس لم يفكر في أي نظام آخر من نظم الأخلاق، وربما لم ينبذ من الوجهة النظرية النظام القديم. غير أن هذا النظام القديم قد فقد سلطانه عليهم؛ فهم لا يقتلون ولا يسرقون عادة؛ لأنه ليس من مصلحتهم أن يفعلوا ذلك، ولكن موقفهم يختلف عن ذلك إزاء «الوصية السابعة»، وهم في الواقع لا يحبون أن يسايروا النمط القديم. والرجل العادي يحمد الله على أنه ليس مثل هذا المتزمت، ويتصور أنه بسلوكه العادي يدرك فحوى ما جاء في الوصية، ولا يطرأ على ذهنه أن شعوره بالسمو هو موضع الملامة، وأنه سواء أكان هذا الشعور من جانب الرجل العادي أم الرجل المتزمت، فإن ذلك من التفصيلات التي ليست لها أدنى أهمية.
وأود أن أقنع أولئك الذين ماتت في نفوسهم الأخلاق التقليدية، والذين يحسون الحاجة في الوقت عينه إلى غرض جدي يسمو على اللذة الوقتية، أود أن أقنعهم أن هناك طريقة للتفكير والشعور لا تشق على أولئك الذين لم ينشئوا على نقيضها، وهي ليست طريقة كبح النفس وإنكار الذات وإدانتها؛ فالحياة الطيبة - كما أتصورها - حياة سعيدة. ولست أقصد أن الرجل الطيب رجل سعيد، وإنما أقصد أن الرجل السعيد لا بد أن يكون طيبا. إن البؤس عميق الجذور في نفوس أكثر الناس؛ فكم من الناس - كما نعرف جميعا - يسير في حياته متظاهرا بالسرور، وهو مع ذلك دائم السعي وراء التخدير سواء بالخمر أو بغيرها من الوسائل. أما الرجل الطيب فلا يحب التخدير، ولا يحسد جاره فيمقته، وهو يستطيع أن يعيش بدوافعه الطبيعية كالطفل؛ لأن السعادة تجعل دوافعه مثمرة غير مدمرة. وكم من رجل وامرأة يتخيلان نفسيهما متحررين من أصفاد النواميس القديمة، ولكنهما في الواقع لم يتحررا إلا في الطبقات العليا من عقولهم، وتحت هذه الطبقات يختفي الإحساس بالذنب قابعا كالحيوان المفترس في انتظار لحظات الضعف أو عدم الانتباه، ويزمجر بأصوات الغضب الصاخبة التي تطفو على السطح في صور غريبة شائهة، أمثال هؤلاء الناس يخسرون الدنيا والآخرة.
فالإحساس بالذنب يجعل السعادة الحقيقية بالنسبة إليهم مستحيلة، ولكن التخلي بوعي عن نواميس السلوك القديمة يجعلهم يتصرفون دائما بطرق تملأ بطن الوحش القديم المختفي بالغذاء. ولا يمكن أن يكون أسلوب الحياة ناجحا ما دام مجرد اقتناع بالعقل. وإنما يجب أن يكون الإحساس بالأسلوب عميقا، والاعتقاد فيه عميقا، سائدا حتى في الأحلام. ولست أعتقد أن أفضل نوع من أنواع الحياة ممكن التحقيق في يومنا هذا لأولئك الذين لا يزالون - تحت مستوى الوعي - يحملون عبء الذنب. ومن الواضح أن هناك أمورا لا يحسن أداؤها، غير أني لا أعتقد أن أحسن وسيلة لتفادي أداء أمثال هذه الأمور هو أن نصمها بالذنب، وأن نصورها لأنفسنا جذابة تكاد تستحيل مقاومتها؛ ولذا فإني أحب أن أقدم للعالم شيئا إذا كان لا يجوز أن نسميه بالناموس الخلقي - على الأقل بالمعنى المقبول للكلمة فيما مضى - فهو بالرغم من ذلك شيء ينقذ الناس من الحيرة الخلقية ومن وخز الضمير وإدانة الآخرين. وما أريد أن أضعه محل الناموس الخلقي بالمعنى القديم هو تشجيع جميع الدوافع الخلاقة البعيدة المدى وإتاحة الفرصة لها. أود أن أبذل كل جهدي لتحرير الناس من الخوف، ولا أعني الخوف الذي نعيه وحده، ولكني أعني كذلك المخاوف القديمة البدائية الحبيسة التي جئنا بها من الغابة، وأود أن أوضح - وذلك ليس بمجرد الفرض العقلي، ولكن كموضوع يؤمن به القلب من تلقاء نفسه - أننا لا نحقق السعادة لأنفسنا بإنزال الألم بالآخرين، وإنما السعادة والطريق إليها تتوقف على الانسجام مع غيرنا من الناس. وحينما لا يكون ذلك كله صادرا من أعماق القلب وليس مفهوما بالعقل فحسب، عندئذ يمكن أن يعيش المرء بطريقة تجلب السعادة لنا ولغيرنا على السواء. وإذا أمكن للناس أن يفكروا ويشعروا بهذه الطريقة، تبددت مشكلاتهم الشخصية، كما تبددت أيضا كل مشكلات السياسة العالمية، حتى أكثرها تعقيدا وأشدها صعوبة. عندئذ يتكشف جمال الطبيعة وتتضح معالم الطريق بغتة، كما يحدث عندما ينقشع الضباب من قمة الجبل. لقد بات من الضروري أن نفتح نوافذ قلوبنا وعقولنا لنتيح للشياطين الحبيسة أن تخرج، ونسمح لجمال الدنيا أن يستولي على النفوس.
Página desconocida