Opiniones filosóficas en la crisis de la época
آراء فلسفية في أزمة العصر
Géneros
والحرب الحديثة - بغض النظر عن شدة فتكها - أسوأ في كثير من الوجوه من أكثر الحروب التي نشبت في سالف الأزمان. وبالنظر إلى إنتاج العمل المتزايد، فمن المحتمل أن نستغني عن جانب أكبر من السكان ليختص في تبادل القتال، كما أن تفكك الحياة اليومية أشد في العالم الحديث عما كان عليه في أكثر الحروب التي نشبت في سالف الزمان. وقد جعل الخوف من القنبلة الذرية سكنى المدن الكبيرة أمرا غير معقول ... أما في الحروب المسلية المطمئنة التي وقعت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فكان المحاربون أساسا هم الذين يتعرضون للآلام. أما هذه الآلام فيتزايد وقعها اليوم على المدنيين. وقد بلغت من العمر عتيا، ولكن أذكر ذلك الوقت الذي كانت فيه الحرب التي تصيب النساء والأطفال أمرا لا يقع في الحسبان. غير أن هذا العصر السعيد قد مضى وفات.
لكل هذه الأسباب كانت الحرب اليوم أشد خطرا مما كانت عليه فيما سلف. ولقد بات تحريم الحرب أمرا لا مفر منه إذا أردنا لحياة المدينة أن تبقى، بل إذا أردنا لأي نوع من أنواع الحياة أن يبقى. ولقد بلغ هذا الأمر من الخطر حدا يحتم علينا ألا نتقاعس عن الأخذ بصور التفكير السياسي الجديد أو عن إدراك المشكلات الجديدة التي كان بالإمكان تجاهلها فيما سلف دون التعرض في النهاية لكارثة من الكوارث، وإن لم يكن دون تعرض للجزاء. (1-2) الحكومة العالمية
قد نتجنب الحرب بالعلاج المؤقت، أو بالحلول الطارئة والدبلوماسية الذكية لوقت ما، ولكن خطرها يظل محلقا فوق رءوسنا. وما دام نظامنا السياسي قائما كما هو، فيكاد يكون من المؤكد أن الحروب العظمى سوف تقع بين الحين والحين. ولا مفر من حدوث ذلك ما دامت هناك دول مختلفة لكل منها سيادتها، ولكل منها قواتها المسلحة، ولكل منها حكمها المطلق فيما يختص بحقوقها في أي نزاع ينشب. وليس هناك سوى طريق واحد يمكن أن يأمن به العالم من الحرب، وذلك هو إنشاء سلطة عالمية واحدة، تحتكر لنفسها جميع الأسلحة الخطرة.
وإذا أردنا للحكومة العالمية أن تمنع وقوع الحروب الخطرة، فلا بد لها من امتلاك قدر معين من القوة. لا بد لها - أولا وقبل كل شيء - من احتكار كل أسلحة الحرب العظمى، ولا بد لها من قدر كاف من القوات المسلحة لاستخدام هذه الأسلحة، ولا بد من اتخاذ أية خطوات ضرورية لكي تضمن أن تكون القوات المسلحة في جميع الظروف موالية للحكومة المركزية. ومن واجب الحكومة العالمية أن تضع قواعد معينة تتبعها في استخدام قواتها المسلحة، وأهم هذه القواعد هو أن تخضع كل دولة في نزاع مع غيرها لقرار الحكومة العالمية، وأي استخدام للقوة من جانب أية دولة من الدول ضد غيرها يجعل من هذه الدولة عدوا للناس، ولا بد أن ينزل بها العقاب من القوات المسلحة التابعة للحكومة العالمية. هذه هي القوى الضرورية إذا أردنا أن يكون حفظ السلام أمرا ممكنا، فإن سلمنا بذلك، تتابعت بعدئذ غيرها من السلطات. عندئذ تظهر الحاجة إلى هيئات تتولى السلطات القضائية والتشريعية. وسوف تنمو هذه السلطات بطبيعة الحال إذا تحققت الشروط الحربية. أما الأمر الحيوي الشاق فهو وضع قوة لا تقاوم في أيدي السلطة المركزية.
وقد تكون الحكومة المركزية ديمقراطية أو دكتاتورية، وقد تنشأ عن رضا أو عنوة، وقد تكون هي الحكومة الوطنية لدولة انتصرت في غزو عالمي، أو قد تكون سلطة يكون فيها لكل دولة - أو بالتالي لكل كائن بشري - حقوق متساوية. وأعتقد من جانبي أن هذه الحكومة إذا أنشئت سوف تقوم على أساس من الرضا في بعض البقاع، وعلى أساس من الإرغام في البعض الآخر، فقد تنشب حرب عالمية بين مجموعتين من الأمم، فتنزع المجموعة الظافرة السلاح من المجموعة المنهزمة، ثم تشرع في حكم العالم عن طريق توحيد المؤسسات التي تطورت خلال الحرب. وبانطفاء جذوة الخصومة الحربية تنضم المجموعة المنهزمة تدريجا إلى النظام الجديد. ولست أعتقد أن الجنس البشري يملك من الدهاء السياسي أو من القدرة على التسامح المتبادل ما يمكنه من إنشاء حكومة عالمية على أساس من الرضا وحده. ومن أجل هذا أعتقد أن عنصر القوة مطلوب في إنشاء هذه الحكومة وفي الإبقاء عليها خلال السنوات الأولى من وجودها.
ولكن بالرغم من أن القوة قد تكون ضرورية في أول الأمر في بعض بقاع الأرض، فإنه لن يكون هناك استقرار ولن يكون بالإمكان إنشاء نظام حر ديمقراطي إلا إذا توقفت بعض أسباب النزاع الكبرى عن فاعليتها. ولا يدور بخلدي أسباب النزاع اليومية العادية التي تتميز بها الحرب الباردة في الوقت الحاضر، بل ولا يدور بخلدي ذبذبة سياسة القوة. ولكن ما يرد إلى ذهني هو تلك الأمور التي ينشب بسببها صدام حقيقي - في الظروف الراهنة - بين مصالح جزء من العالم ومصالح الجزء الآخر، ترد إلى ذهني تلك الأمور التي تبلغ من الأهمية ما يجعل كل جانب يؤثر القتال على الإذعان. ولنضرب لذلك مثلا: هل يبقى جنوب شرق آسيا مزدحما بالسكان؟ أو هل تتنازل أستراليا وأمريكا الجنوبية عن أن تكون موطنا للرجل الأبيض وحده؟ أمثلة هذه الأسباب للنزاع العسيرة حقا تدور حول ثلاث مشكلات: السكان، والعنصر، والمذهب.
2
والنتيجة التي تسوقنا إليها الحقائق الواقعة، هي أن الحروب العظمى قد لا يمكن تفاديها حتى تنشأ الحكومة العالمية، إلا أن الحكومة العالمية لا يمكن أن تستقر حتى يكون لكل بلد هام عدد ثابت من السكان بقدر الإمكان. وحيث إن ذلك أبعد ما يكون عن الأمر الواقع في الوقت الحاضر، فقد تبدو النتيجة التي وصلنا إليها مدعاة لليأس. غير أن لهذه النتيجة وجها آخر لا يدعو البتة إلى فقدان الأمل؛ فقد كان أكثر الأطفال في الأيام السالفة يموتون في حداثتهم، وكانت نسبة الوفيات بين الكبار مرتفعة جدا، وكانت الغالبية العظمى من السكان في كل بلد تتحمل الفقر المدقع. أما في الوقت الحاضر فقد أفلحت بعض الأمم في حفظ حياة الأغلبية الساحقة من الأطفال، كما أفلحت في تخفيض نسبة الوفيات من الكبار إلى حد كبير، كما كادت تفلح في إبعاد شبح الفقر المدقع. وما كان ذلك ليمكن إطلاقا لولا هبوط نسبة المواليد، وتستطيع أن تبلغ نفس هذا المستوى من رفاهية العيش بعض الأمم الأخرى التي ما زال ينتشر فيها المرض والفقر المدقع أنها لو اتبعت نفس الوسائل، ومن ثم فإن هناك أملا جديدا للجنس البشري، ولا يمكن تحقيق هذا الأمل إلا إذا فهمنا أسباب الشرور القائمة، ولكنه الأمل الذي يحتاج إلى تأكيد؛ فالإنسان الحديث سيد مصيره، وإنما يعاني ما يعاني لأنه غبي أو شرير، ولا يعانيه لأنه أمر الطبيعة، فالسعادة محققة له لو سلك السبل التي تهيأت له.
3 (1-3) قيمة الذكاء
إن كراهية الذكاء أحد الأخطار العظمى في العالم الحديث؛ لأن كل تقدم جديد في الوسائل الفنية العملية يصاحبه ازدياد الحاجة إلى الذكاء؛ فتقدم الوسائل الفنية في الصناعة يتوقف على المخترعين، والتقدم في الحروب يتوقف على علماء الطبيعة المختصين في الذرة الذين ما كان لأحد منهم أن يظفر بالاحترام «الجدي» لمعاصريه. والحكمة في الشئون الدولية تتطلب معرفة الجغرافيا، والتعرف إلى عادات الأمم المختلفة، والقدرة على رؤية صورة الدنيا من وجهة نظر أخرى غير وجهة نظر الرائي، ولا يمكن تحصيل أية صفة من هذه الصفات بغير ذكاء. وما برحت الديمقراطيات الكبرى في عصرنا الحاضر تميل إلى الاعتقاد بأن الرجل الغبي أقرب إلى الإخلاص من الرجل الذكي. ويستغل ساستنا هذا الميل بتظاهرهم بغباء أشد مما أعطتهم الطبيعة.
Página desconocida