Opiniones filosóficas en la crisis de la época
آراء فلسفية في أزمة العصر
Géneros
ترجمة
محمود محمود
تقديم
لم يعرف تاريخ الحضارة أزمة بشرية مثل تلك التي يواجهها الإنسان في منتصف القرن العشرين؛ فهي أزمة تمتد إلى بذور الوجود البشري ذاته أو تكاد تأتي على كل معالم الحضارة. وفي مثل هذا الوقت العصيب يجد الإنسان نفسه مسوقا إلى أن يزن نفسه ويقوم العالم الذي أنشأه لعله يتعرف طبيعة الأزمة التي تواجهه، وهو يبحث عن الوسائل التي تمكنه من الاحتفاظ بالحياة، بل ومن إخصابها برغم ما يحيق بها من محن. وفي هذا الكتاب عرض للمباحث التي قام بها أربعة عشر كاتبا من أعمق المفكرين في العصر الحديث، محاولين بها تقويم العالم الذي نعيش فيه، وهداية الناس إلى الصراط المستقيم.
وقد قامت باختيار المقتطفات التي وقع عليها الاختيار لهؤلاء الكتاب، مؤلفة هذا الكتاب أدريين كوخ أستاذة التاريخ بجامعة كاليفورنيا، ووفقت في اختيارها توفيقا كبيرا، وقامت بتنسيق المختارات حتى جاءت صورة قوية لما ارتآه هؤلاء الكتاب بشأن الأزمة التي يعانيها الإنسان، وقدمت لكل مجموعة من المختارات بنبذة عن تاريخ حياة الكاتب أو الفيلسوف. وقد يجد القارئ فيما وقع عليه اختيار الكاتبة من مقتطفات ميلا إلى التعصب نحو مذهب ديني معين أو عقيدة فلسفية خاصة، ولكنه التعصب الذي يشحذ الفكر والتأمل ، وينطوي على الغرض النبيل؛ فالتحمس للمسيحية أو للإنسانية أو العالمية لا يقصد إلا الدعوة إلى السلام وتهدئة النفوس وسعادة البشر.
وقد قدمت لهذه الآراء كلها مؤلفة الكتاب بفصل بالغ الطول، وذيلتها بخاتمة مختصرة حاولت فيها أن تلم بأطراف الموضوع وأن تجمع شتاته، كما حاولت أن تشخص طبيعة الأزمة التي يعانيها الإنسان، ومهمة الفلسفة إزاء هذه الأزمة، واتجاهات الفلسفة الحديثة عند وصف العلاج. وقد رأيت أن أسوق خلاصة ما جاء في المقدمة وفي الخاتمة في هذا التقديم الذي أعرضه على القارئ، معقبا من عندي على هذا الرأي أو ذاك كلما اقتضتني ذلك ضرورة التوضيح.
والكتاب - بهذا - في جملته، بحث نافذ في قلب الحضارة التي نعيشها، يحث كل مفكر على النقد والتحليل.
وترى أدريين كوخ - مؤلفة هذا الكتاب - أننا إذا تدبرنا مدى الأزمة التي يواجهها الإنسان الحديث في منتصف القرن العشرين، ومقدار ما تنطوي عليه هذه الأزمة من عقد يتعسر حلها، وجدنا أن الإنسان لم يعان في تاريخ حضارته منذ نشأتها ما يداني هذه الأزمة عمقا وشدة؛ فهي أزمة الوجود البشري ذاته، أزمة قد تهلك فيها الحضارة، ويبلغ فيها تاريخ الإنسان نهايته. بيد أن الإنسان لو تعقل لغير هذا المصير المشئوم، فمستقبله يتوقف - إلى حد كبير - على آماله وأعماله.
وقد انتقل الإنسان من طور الأزمة التي يعاني فيها الفرد وحده إلى طور الأزمة العالمية، وهو انتقال واسع عميق، يحتم علينا أن نتوقف لحظة نزن فيها أنفسنا والعالم الاجتماعي الذي نعيش فيه. وليس بوسعنا أن نواجه هذه الأزمة على مستوى اقتصادي بحت، فنحاول أن نجد لها حلا ماديا، أو على مستوى سياسي بحت باعتبارها مشكلة التنظيم الدولي، أو حتى على مستوى السيكولوجيا باعتبارها مشكلة تتعلق بتحليل مشكلات الفرد في حياته؛ فكل هذه النواحي متشابكة ولا يمكن أن نفكر في ناحية منها دون أن نتعرض لغيرها من النواحي. ولا بد لنا عندما نواجه هذه الأزمة من توسيع معرفتنا بالعلاقات الإنسانية كلها ومن تعميق معرفتنا بأنفسنا، وهذه المعرفة ضرب من ضروب النشاط الذهني الذي يشغل الفرد في كل ناحية من نواحي حياته، ويزيد من وعيه بالروابط التي تصل ما بينه وبين غيره من الناس.
هذه هي الوظيفة التاريخية للفلسفة؛ أن تنسق - في خلال بحثها عن الحقيقة - بين نتائج المعرفة التي يكتسبها المرء من أية زاوية من الزوايا، وأن تنسق - في خلال بحثها عن طريقة للحياة - بين القيم التي تكسب الحياة أي معنى من المعاني. والفلسفة بهذا المعنى تبحث في كل المعارف المتشابكة بروح حرة، بغية رسم طريقة من طرق الحياة تتفق مع العقل ومع تقدم الإنسان؛ فهي ليست مقيدة برأي معين، وليست وقفا على الفلاسفة المحترفين. وهذا النشاط الفلسفي - فوق ذلك - في تطور مستمر، بسبب التغير الدائم في محيط معارفنا وفي ظروف وجودنا في هذه الحياة. ومن أوجه الأزمة الحاضرة ازدياد سرعة التغير في معارفنا وفي ظروف وجودنا، ويبدو أن الأسس ذاتها قد أخذت تهتز وتتزعزع. ولو صح هذا لكنا أحوج ما نكون إلى النظرة الفلسفية في زماننا هذا، وأحوج ما نكون إلى المعتقدات التي تنير الطريق أمام الإنسان الزائل الفاني، وتوجه وجوده توجيها سديدا. ومن ثم فإن مجرد وجود الأزمة يتطلب من العقول البشرية الممتازة أن تقوم بالتحليل الدقيق.
Página desconocida