Opiniones filosóficas en la crisis de la época
آراء فلسفية في أزمة العصر
Géneros
ولد كلارك في نورثهامبتن بماساشوستس عام 1884م، وتلقى تعليمه في العقد الأول من هذا القرن في كلية أمهرست وجامعتي كولمبيا وشيكاغو حينما كانت تسيطر على الفكر والسياسة الاقتصادية «فروض الرضا والقناعة». وعلى هذه الفروض التي تدعو إلى حرية التعامل تؤدي عمليات السوق التي يسودها التنافس إلى معادلة المطالب الحقيقية للمستهلكين بالتكاليف الحقيقية للمنتجين في ظروف تستغل فيها المصادر استغلالا كاملا. وقد عرض كلارك في باكورة أعماله - في الرسائل التي أعدها ليقنع بها زملاءه في المهنة - مواضع النقص في النظريات القديمة، وصاغ وسائل جديدة للتحليل يهاجم بها مشكلات مصادر الثروة المستغلة، وقصور وسائل التسويق، وسوء توزيع مصادر الثروة توزيعا مكانيا في ضوء الغايات البشرية والتكاليف الاجتماعية. وفي أوائل العشرينيات من هذا القرن صدرت هذه المباحث في كتابين يحتويان على آراء إنشائية بناءة أصبحت من الأسس المعتمدة في هذا الميدان، وهذان الكتابان هما: «دراسات في اقتصاديات التكاليف المرتقبة»، و«الرقابة الاجتماعية على الأعمال».
وبعد عام 1929م تعمق كلارك في مباحثه، ونقل اهتمامه إلى الكشف عن الوسائل التي تعالج بها مشكلات الكساد، والحرب، وتسريح الجيوش، وتضخم العملة، وسوغ هذه الوسائل التي دعا إليها. وقد تقدمت دراسته لدورات العمل حتى أمكن أن تصدر في مجلدين، هما: «العوامل الاستراتيجية في دورات العمل» عام 1934م، و«اقتصاديات تخطيط الأشغال العامة» في عام 1935م. وهاتان الدراستان اللتان سبقتا كينز لعبتا دورا هاما في توجيه انتباه الاقتصاديين نحو العوامل الاقتصادية الكبرى التي تؤثر في الاقتصاد عامة، كما أدتا إلى إقناع جمهور أكبر بالدور التوجيهي لسياسة الحكومة المالية والنقدية في زيادة الدخل القومي، والإنتاج، وتوفير العمل. وفي خلال هذه الفترة اشتغل كلارك مستشارا اقتصاديا للحكومة، وللجنة التخطيط القومي (في عام 1934م) ولإدارة الانتعاش القومي (1934-1935م)، وبدخولنا الحرب أمسى مستشارا لمكتب إدارة الأثمان (1940-1941م). وقبل أن تنتهي الحرب وجه التفاته إلى تحليل «تسريح هيئات الرقابة الاقتصادية إبان الحرب» لكي يبحث في طريقة إيجاد أعمال كافية في ظل نظام تلقائي حر، يلعب فيه كل من الحكومة - من ناحية - ونشاط الأفراد - من ناحية أخرى - دورا يتمم الآخر. وبعد الحرب أخذ ضغط التضخم الاقتصادي يزداد، فركز كلارك تفكيره في مشكلة الإجراءات العامة والخاصة التي يجب أن تتخذ لتحقيق مواصلة النمو الاقتصادي دون تضخم. «إن الإنسان بحاجة إلى أن ينتمي إلى مجتمع أصغر حجما وأكثر ذاتية من الدولة صاحبة النفوذ المطلق، ولكن الوحدات التي تقابل هذه الحاجة - بما فيها نقابات العمال - ليست أجزاء من مجتمع متكامل، وإنما هي مجموعات احتكارية، في حرب مع غيرها. ولفض هذا النزاع دون القضاء على الحرية يحتاج الأمر - فيما يبدو - أولا إلى أن تتوازن قوى هذه المجموعات توازنا معقولا، كما يحتاج ثانيا إلى أن تمارس المجموعات نفوذها مع تحملها مسئولية ما تصنع. ووسائل تحقيق ذلك واجب من واجبات صفاتنا كمواطنين وقدرتنا على الابتكار الاجتماعي.»
ولم تقتصر - عند جون موريس كلارك ذاته - صفات المواطن والقدرة على ابتكار وسائل جديدة لعلاج المشكلات العاجلة في العصر الحاضر على المجتمع الأمريكي، بل كتب كتابة مقنعة عن الحاجة إلى قبول الدور الذي يجب علينا أن نؤديه في مجتمع عالمي أوسع، كما كتب عن تهديد الشيوعية لهذا المجتمع، وعن تحدي المناطق التي لم تتقدم بعد ذلك. والتحق بجماعة من الاقتصاديين عالمية ممتازة، ونصح الأمم المتحدة بالإجراءات التي تتخذ للتقدم الاقتصادي، وفي كل ما أدى من عمل أبدى اهتماما شديدا بالحاجة إلى «الدفاع عن أسلوب للحياة يتفق ورفاهية الفرد وحريته وكرامته، وإلى تطويل هذا الأسلوب وتحسينه ليقاوم الدفع القوي للشيوعية الدكتاتورية التي تسير نحو عالم لا يؤيد الديمقراطية». والقطعة المختارة من كتابه «ماذا نستبدل بالعبودية؟» تنم عن اشتغال كلارك بالوسائل الاقتصادية للغايات الإنسانية.
وقد كان جون موريس كلارك أستاذا غير متفرغ بجامعة كولومبيا منذ عام 1953م، وشغل بجدارة كرسي الأستاذية الذي يحمل اسم جون بيتس كلارك. (1) ماذا نستبدل بالعبودية
جون موريس كلارك (1-1) انحلال أم انتقال؟
تحدث الأستاذ شتول عن «الفوضى التي نعيش فيها اليوم، وهي أخطر ما مر بنا منذ سقوط روما». ولا يشك أحد في هذا الخطر، ولا يمكن لأحد أن يعرف يقينا - اللهم إلا إن كان مؤمنا أو يائسا - إن كانت هذه الفوضى هي حالة الاضطراب التي لا مفر منها التي تلازم طور انتقال كبير، أم هي من علامات فناء الحضارة، وهي حضارة فسدت جذورها حتى باتت لا تقوى على حمل عبء الجذع الثقيل والفروع المنتشرة على مساحة واسعة. ونحن نعلم أنه لا يزال بهذه الحضارة كثير من العناصر الطيبة، ولكن كثيرا من الحضارات التي كانت مثلها تنطوي على عناصر طيبة قد ذوى من قبلها. وإن الميزان الذي ينبئ بالبقاء أو الفناء قد يكون غاية في الدقة، كالفارق الذي يفصل بين الهزيمة والنصر في معركة ملتحمة.
ولا يدل الانحلال حتما على أن الأفراد أسوأ اليوم بطبيعتهم مما كانوا من قبل. والواقع أن تماسك المجتمع - حينما يتعقد، وحينما تضعف الفردية ونمو الحرية العقلية والخلقية من النظم القديمة - بحاجة إلى أفراد أفضل. ولقد تغلب الأفراد الأقوياء على هذه الحرية. والناس جميعا لديهم هذه الحرية اليوم، سواء نموا نموا كافيا لمقابلة متطلبات هذه الحرية أم لم ينموا. إنهم ينبذون القيادات القديمة والنظم القديمة، ويتقبل أكثرهم نظما جديدا وقيادات أخرى. غير أن هذه النظم والقيادات الجديدة قد تصاغ على هواهم، ومصالحهم الطائفية، وما يميلون إليه، أكثر مما تصاغ وفقا لما يتطلبه بناء اجتماعي سليم. وقد اكتسبت الطوائف قوة تمكنهم - تحت قيادة تستغل هذه القوى الهدامة - من تحطيم المجتمع بدلا من تعزيزه وتقويته. إن الأسس القديمة التي كانت تعتمد عليها الأخلاق قد بقي تأثيرها في بعض الناس وفقدت تأثيرها في بعضهم الآخر. وأخذ مفهوم النواميس يتغير، وأمسى لكل طائفة ناموسها. وبالرغم من اشتداد الروح الطائفية، فإن القاعدة القديمة - قاعدة الأنانية والمصلحة الخاصة التي لا ترعى مصالح الآخرين - ما زالت قائمة، بعدما تغلبت على العوائق التي كانت فيما مضى تحد من أخطارها. إن إعادة إنشاء ناموس يقبله كل إنسان نوع من الجهد الذي يتطلب انقضاء قرون طويلة من الزمان. وقد تحل بنا الكارثة خلال هذه القرون.
ولست أظن أن شعبا من الشعوب قد واجه من قبل واجب إنشاء ناموس للسلوك الاجتماعي، والأساس الروحاني الذي يرتكز عليه، مع مثل هذا العزوف - الذي نلمسه اليوم - عن قبول القيادة أو السلطة إلا فيما يعزز المصلحة الطائفية التي تتعارض مع مصالح الطوائف الأخرى. إن روح الشك التي تسود هذا العصر أفادت في هدم الأساطير التي ضلل بها القادة المزيفون الشعوب لصالح هؤلاء القادة أنفسهم. ولكن هذا الشك إذا تمادى إلى حد نبذ جميع الآراء ما خلا تلك التي تعزز المصالح الخاصة بصورة واضحة - وهو قمين بهذا - فإن بوسعه حينئذ أن يحطم قدرتنا - كشعب - على التضامن في العمل بدرجة من الحرية معقولة.
ويجدر بنا أن ندرك خطورة هذه الأزمة. غير أن أفضل إيمان نتمسك به هو الاعتقاد بأنا في مرحلة انتقال لا انحلال. حقا لقد كنا نمر بمرحلة انتقال خلال القرن التاسع عشر، وهو انتقال أثار الحيرة عند هنري آدمز الذي نفذ فيه إلى أبعد مما نفذ أكثر الناس. وكانت ضروب الحرية التي استمتعنا بها آنذاك صورا انتقالية، بالرغم من أن كثيرا من الناس ظنها صورا نهائية. ولكنا ما زلنا نأمل أن تكون الحرية ذاتها شيئا أكثر من قصة عابرة، ربما حدثت في فترة قصيرة قبل أن يفرض منطق الثورة الصناعية نفسه فرضا كاملا. ويبدو أن هذا الأمل هو أكثر من تفاؤل لا يستند إلى تعليل عقلي؛ فمن وراء النواميس الخلفية المتغيرة، لا يزال الإنسان العادي يميل ميلا شديدا إلى العيش وفقا لناموس يرضى عنه إخوانه في الإنسانية. نعم إن في داخل الطوائف نظما وقيادات، غير أن بين هذه الطوائف إدراكا للحاجة إلى التوافق أعم مما يبدو في أكثر الأحيان في البيانات العامة التي تتخذ صورة النداء السياسي الخاص بما ينطوي عليه أي نداء سياسي من عيوب.
إن ما نسميه «الرأسمالية» عقيدة توقف موقف المدافع عن نفسها، والمدافع يخسر كثيرا من المواقع. أما المبادأة فتكمن في قوى أخرى. ويبدو أنه لن تكون هناك رجعة إلى المضاربة الفردية. فإن حدثت، فلن يكون فيها حل مشكلة الضمان. ويجب علينا أن نتقدم على أساس يحتوي على الضمان. غير أن الجماعية المطلقة هي بالنسبة إلينا في موقف المدافع أيضا، وبخاصة النوع المركزي منها. أما الجماعية اللامركزية، التي قد تحتفظ بقدر أكبر من المرونة والحرية، فليست من الأمور التي يستطيع الإنسان أن ينشئها إنشاء، ولا بد لها أن تكون نتيجة للتطور. وهي تعتمد على نمو القيود والنظم التلقائية عينها التي نحتاج إليها لكي نجعل نظامنا المختلط في الوقت الحاضر فعالا؛ ومن ثم فإن السؤال القائم الآن هو : في أي اتجاه إنشائي نستطيع أن نتقدم به، وأي بناء إيجابي نستطيع أن نقيمه من القوى التي تملك المبادأة في الوقت الحاضر؟ ⋆ (1-2) الفرد والجماعة والدولة
Página desconocida