Opiniones filosóficas en la crisis de la época
آراء فلسفية في أزمة العصر
Géneros
إن موقف الفلسفة في العصر الحاضر يحدد مصير الحضارة كلها بطريقة لم تسبق للفلاسفة السالفين معرفتها؛ لأننا ندرك كل الإدراك أن العالم الذي نعيش فيه إنما يبقى ويستحق البقاء إذا هو استطاع أن يحل المشكلات التي تتطلب بطبيعتها التعاون البشري من أجل أهداف إنسانية مشتركة. إن ما نريده هو أن يكون لدينا دافعان؛ أحدهما يسوقنا إلى هضم ميراث الماضي، والآخر يسوقنا إلى مواجهة قضايا الوقت الحاضر المريعة. ومن الواضح أننا إذا استطعنا أن نتعلم شيئا من تاريخ الفلسفة، فأحر بنا أن نزداد معرفة من أوثق الفلاسفة المعاصرين الذين يعالجون مشكلاتنا الراهنة، ويعيدون النظر في التقاليد القديمة لمواجهة مطالب الإنسان المعاصر؛ لأن العصر الذي نعيش فيه يتطلب إعادة النظر في تلك الآراء العامة الشاملة التي توجه الإنسان وجهته، والتي تلقي ضوءا على الظلام المحيط بنا، والتي يمكن أن تمدنا بالأمل، وتدفعنا إلى العمل الإيجابي لإعادة تشكيل أنفسنا وتشكيل تاريخنا البشري.
إن الفلاسفة الذين يتحملون المسئولية اليوم لا يتجاوبون مع وجودنا فحسب، وإنما هناك تطورات معينة مستحدثة تجعلنا أشد ارتباطا بهم منا بالفلاسفة القدامى. وهذه التطورات تتعلق بالمواد والوسائل الجديدة التي يمكن أن تستخدم في البناء الفلسفي في عصرنا. إن معرفتنا التاريخية - خلافا لما كانت عليه في أية حضارة أخرى - تشتمل على تاريخ كل ما سلف من حضارات، وعلى حياة المجتمعات البدائية، ونشاط الشعوب في كل صقع من الأصقاع وتحت كل ظرف من ظروف العالم. وهذه المعرفة التاريخية تمدنا بفرصة كبرى - لم توجد من قبل - لكي نعرف ما نحن بحاجة إليه لكمال البشرية في ضوء تاريخها الماضي. ثم إنا قد سرنا في طريق المعرفة المتقدمة عن الإنسان ذاته، في ضوء ما لدينا من علم بالأنثروبولوجيا ونتائج البحوث النفسية، ولأول مرة يتبين لنا إمكان التطلع إلى بناء نظرية تجريبية عن الشخصية الكاملة. وأخيرا، أقول إن معرفتنا بأوجه الطبيعة المختلفة، من الطاقات التي تنبعث عن الشمس إلى المكونات الأولية للمادة الحية، تؤلف عنصرا جديدا في ميراثنا الفلسفي. إن التطور في طرق البحث، بالإضافة إلى معرفتنا بالطبيعة والإنسان، وخبرتنا بالتطور الاجتماعي، كل ذلك قد يعمل على بناء فلسفات شاملة منطقية تجابه بها القضايا الكبرى ذات الأهمية الإنسانية.
ولكنا في الوقت عينه ينبغي أن نركن إلى ما لدينا من فلسفة، مهما تكن محدودة الطموح ضعيفة التفكير، فنستعين بها في بحث وتقديم ما لدينا من إمكانيات يقع الخيار في حدودها. والمقتطفات التي جمعناها في هذا الكتاب اختيرت على أساس تحقيق هذا الهدف، هذه المقتطفات تمثل مختارات لها دلالتها مما قاله قادة الفكر في العالم الغربي الذين حاولوا تقديم مشكلات إنسان العصر الحاضر، ورسم فلسفة تستطيع البقاء، أو على الأصح تستطيع أن تطور الحياة وتجعلها أغزر مادة وأكثر ثراء. يجب أن نستعين بما يعرضونه من فكر على فهم موقفنا وإعادة النظر فيما لدينا من قيم. ولقد اخترنا ما ورد في هذا الكتاب من مقتطفات على أساس أن الفلسفة التي تدعو إلى الحرية الشخصية والحرية السياسية هي أقوى أثرا وأعمق مغزى للإنسان الحديث من أي فلسفة أخرى. إن كل ما اخترنا من الكتاب من أنصار الحرية. وهذا المبدأ الذي راعيناه في الاختيار هو السبب في إقصاء ممثلي حركتين من أهم الحركات في الفلسفة المعاصرة، وأقصد بهما حركة الشيوعية والتحليل المنطقي. والسبب في إقصائهما هو أن موقفهم النظري يزعم أن القيم لا يمكن الدفاع عنها على أي أساس من أسس العقل، وإنما هي تمثل الأهواء المذهبية لطبقة من الطبقات أو الاتجاهات الشخصية العاطفية.
وقد اتخذت لاختيار الأشخاص ومقتطفاتهم بالإضافة إلى ذلك بضعة معايير أخرى. وكان المضمون - فوق كل شيء - هو المرشد الحقيقي لكل ما قمت به. إلى أي حد يمكن اعتبار الآراء طيبة؟ وفي حدود هذا الإطار العريض وجدت أن سهولة تبليغ الفكرة وصحتها من الصفات التي لا يمكن إغفالها. وبهذه القاعدة استبعدت المتطفلين ووسطاء الصحافة الذين يقحمون أنفسهم على الفلسفة إقحاما، وكانت للمضمون الذي يستحق الدراسة في رأيي أهمية تفوق أهمية الوضوح، وكان من الضروري أن أتحاشى التعبيرات والمصطلحات التي يتمكن القارئ الجاد الحصيف - الذي قد لا يكون من المختصين في الفلسفة - من العثور على شيء له قيمته، كما راعيت في المقتطفات أن أنتقيها من مصادر الإيحاء، والآراء المثمرة، والدراسات العميقة، والنظرات الفلسفية الأصيلة ذات الدلالة. وكل مؤلف وقع الاختيار عليه له مكانته، وهو من نوع الكتاب الذي ينبغي للقارئ الذكي الحساس أن يتعرف إليه، وإلا فاته الاتصال ببعض ما في ثقافتنا من خير وفضل.
وكان رائدي النهائي هو التنوع، ولا أقصد به ذلك التنوع المختلط، وإنما قصدت به عرض الأفكار والآراء المختلفة على أوسع نطاق ممكن؛ حتى يستطيع القارئ أن يكون صورة شاملة يراها على بعد منه. ولم أراع في المتنوعات التي عرضتها التحيز لأمة دون أخرى؛ فهناك الإنجليز والألمان والإيطاليون والهنود والأمريكان، وإنما كان دليلي وجهة النظر التي يعرضها الكاتب، وقد تكون في بعض الأحيان مصبوغة بصبغة الثقافة الوطنية التي ينتمي إليها.
في هذا الكتاب يتصل القارئ بمجموعة طيبة من الرجال الذين يبعثون في الفلسفة الحياة؛ لأنهم لا يعرضونها جامدة ميتة، وإنما يعرضونها رأيا حيا يتجاوز ما يمدنا به الفلاسفة المحترفون من معارف بغية الوصول إلى عقيدة إيجابية؛ عقيد تعزز إيماننا بكرامة الإنسان الحديث وقدراته، وبتلك الصفات البشرية التي تضفي على الطبيعة جلالا ونبلا.
وأود أن أختتم مقدمتي هذه بكلمة عن مدى حاجة العصر الذي نعيش فيه إلى الفلسفة، ويتناول الحديث في هذا الموضوع جانبين؛ أولهما العقل والقيم، والثاني العقيدة المشتركة التي نهدف إليها.
أولا: العقل والقيم (1) المجالات الفلسفية
إن المجالات الفلسفية التي تعرضنا لها في هذا الكتاب هي فلسفات الحرية والإيمان بالفرد البشري، وجميع الكتاب يهتمون اليوم بمصير الإنسان في العصر الحاضر، وهم يتفقون على وجود أزمة عميقة فريدة في نوعها؛ فهي عميقة لأنها قد تنتهي بالقضاء على الحضارة، وفريدة لأنها تهدد الوجود البشري ذاته. وإن ما لدى الإنسان من قدرات فنية هائلة، وقوى سياسية جبارة، قد تحول الإنسان إلى آلة تتحرك بإرادة غيره وتسترقه، إن لم تقض على حياته. وقد كانت الفلسفة فيما مضى تبرز ضرورة نشر المبادئ التي تدعو إلى تحكيم العقل وإنسانية الإنسان في صورة أفكار نظرية، ولكن واجب الفلسفة في عصرنا يجب أن يتجه نحو معالجة هذه الأمور بطريقة محسوسة؛ ذلك لأنا رأينا العقل يستخدم في الشر لقهر الإنسان وتجريده من إنسانيته وتحطيمه، كما أننا قد أرغمنا على الاعتراف بالظروف الجديدة والآمال الجدية للإنسان في عالم وحدت أجزاءه التكنولوجيا وإن يكن ما يزال مقسما من وجوه كثيرة أخرى. والمشكلة الكبرى التي تواجهنا اليوم هي هذه: هل يستطيع العقل أن يستخدم القوى السياسية والتكنولوجيا الحديثة لتحقيق أهداف الفرد ووجوده وحريته؟ وهذا الموضوع يسود مختلف الفلسفات التي سوف نقدمها في هذا الكتاب.
وهناك عدة فروق في معالجة هذا الموضوع ترجع إلى اختلاف الاهتمامات وطرق التعبير والأساس الثقافي؛ ففورستر وسيلون وسارتر يجابهون في فلسفاتهم الوجود البشري من ناحيته النوعية المباشرة، كل من وجهة نظره التي تتأثر بموطنه؛ فهناك النغمة الإنجليزية فيما يقوله فورستر، والإيطالية فيما يذكره سيلون، والفرنسية فيما يعبر عنه سارتر. أما أينشتين ورسل وهوك، فيميلون إلى زيادة الاهتمام بالنواحي الاجتماعية فيما يمس تحرير حياة العقل، متأثرين كذلك بالمواطن التي يعيشون فيها. أما ماريتان ونيبور فيختلفون عن أفراد هاتين المجموعتين لاهتمامهم بالدين. وهم يختلفون فيما بينهم في العقائد التي يعتنقونها، كما يختلفون طبقا لجنسياتهم كذلك. وهناك أيضا بين الذين اخترنا لهم في هذا الكتاب أوجه أخرى للتباين أو التشابه؛ فسيلون وأينشتين بعدما يسيران في اتجاهين مختلفين من حيث الحياة والفكر، يبلغان عقيدة متشابهة في الاشتراكية ومناهضة النازية، غير أن سيلون الذي عرف الشيوعية الدولية عن كثب لم يثق البتة في روسيا السوفيتية، في حين أن أينشتين، الذي كان يميل دائما نحو المسالمة والمثالية، أخذ يميل في سنواته الأخيرة نحو الإيمان بدعوة روسيا إلى السلام، ويلقي الاتهام على الولايات المتحدة لتعزيزها قواتها خلال الحرب الباردة التي تسود العالم. وكذلك نرى سارتر وياسبرز يتفقان في مذهب الوجودية، مع كون الأول ملحدا والثاني فيلسوفا يتجاوز بفكره حدود الوجود. (2) الفلسفة والدين
Página desconocida