Opiniones filosóficas en la crisis de la época
آراء فلسفية في أزمة العصر
Géneros
وإذا نحن نجحنا في إيجاد اتصال ودي بكل التفكير الفلسفي، عرفنا أن صورة الفلسفة الحاضرة قد انبثقت أيضا من المصدر الأول، وعرفنا أن التقاليد العالمية لا غنى لنا عنها، فهي الذاكرة التي بغيرها نهبط إلى التفاهة المطلقة للخطة المجردة التي ليس لها مستقبل ولا ماض. وفي وجودنا المؤقت الزائل نعرف واقعية الحقيقة الأساسية وملازمتها لكل حقيقة أخرى، نعرف «الفلسفة الدائمة» التي تمحو الزمان في جميع الأزمان.
4 (1-5) العلم الحديث والفلسفة
العلم الحديث هو المقدمة المنطقية للتكنولوجيا التي تقلب حياتنا من أساسها. غير أن آثار هذا العلم تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير؛ فهذا العلم يمثل نقطة تحول بعيد الغور في تاريخ البشرية، ولكنه على خلاف مع التكنولوجيا لا يعرف معرفة كاملة إلا لنفر قليل من الناس، بل وأقل من هذا النفر من يسهم فيه مساهمة فعالة، في حين أن الكتل البشرية تسير في حياتها على أساس الصور الفكرية التي سبقت العلم، وتستخدم نتائج العلم كما كانت الشعوب البدائية فيما سبق ترتدي القبعات الأوروبية وملابس السهرة وعقود الزينة.
إنما هو العصر الحديث - بعد المحاولات الساذجة التي قام بها أفراد في العهود القديمة، والإغريق بخاصة - منذ نهاية العصور الوسطى، الذي طبق أولا البحث المطلق الحقيقي - مصحوبا بنقد ذاتي إلى أبعد الحدود - على كل ما يحدث، وكل ما يمكن أن يحدث في هذا العالم.
العلم يسير على نهج منطقي، وهو يفترض قبوله في كل أرجاء الأرض؛ ومن ثم فهو يلقى في الواقع موافقة إجماعية، ما دامت الحال كذلك. والعلم يدرك وسائله إدراكا ناقدا، وهو يحقق كل ما يشمله في كل وقت من الأوقات وبطريقة منظمة، وهو لا ينتهي أبدا، وإنما يعيش في حالة من التقدم هدفها غير منظور. كل ما يظهر في هذه الدنيا يجعله العلم موضوعا له، إنه يشحذ وعينا بالموجود ويزيده وضوحا، وهو يمدنا بالمقدمات التي تؤدي إلى تحقيق الأهداف التي لا يحددها تحقيقا علميا، تلك الأهداف التي تصبح بدورها موضوع بحثه.
العلم حالة ضرورية سابقة للفلسفة. غير أن الموقف الروحي الذي نشأ نتيجة للعلم قد ألقى على الفلسفة أعباء ثقيلة جديدة. ولم تكن العهود السابقة كعهدنا في مثل هذا الوعي الواضح بثقل هذه الأعباء. (1)
يجب أن يكون العلم «بحتا» مطلقا؛ لأنه عند الممارسة العملية والتفكير المتوسط تشوبه أقوال ونظرات لا تمت إلى العلم بصلة. وقد حقق أفراد من العلماء العلم البحت الدقيق عند تطبيقه على دائرة الموجودات كلها، ولكن حياتنا الروحية لا تزال - على وجه الإجمال - بعيدة عنه. (2)
يجب أن تتعرض العقائد الخرافية في العلم لوضح النهار؛ ففي عصرنا الذي يتميز بالتشكك وعدم الاستقرار، اتجه الناس نحو العلم وظنوه أساسا ثابتا، ووضعوا ثقتهم فيما أسموه نتائج البحث العلمي، وأخضعوا أنفسهم خضوعا أعمى لمن افترضوا أنهم خبراء، واعتقدوا أن الدنيا ككل يمكن أن تنتظم بالتخطيط العلمي، وتوقعوا من العلم أن يمدهم بأهداف الحياة - وهو ما لا يطيقه العلم بتاتا - وتوقعوا معرفة الوجود ككل، وهو ما يخرج عن دائرة العلم.(3) (3)
وينبغي أن يعاد توضيح الفلسفة ذاتها بطريقة منطقية منظمة؛ فهي العلم بالمعنى الناضج الثابت للتفكير المنطقي، ولكنها ليست العلم بالمعنى الحديث البحت، وهو البحث في الأشياء بحثا يؤدي إلى المعرفة العالمية الصحيحة القاطعة، التي يراها كل الناس على صورة واحدة.
إن ما قال به ديكارت من الانطباق الخاطئ بين العلم والفلسفة - وهو صورة ذهنية قاطعة تساير روح هذه القرون الأخيرة - جعل العلم معرفة يفترض فيها الشمول، كما حطم الفلسفة ذاتها.
Página desconocida