وكذلك السنة النبوية؛ قد حوت كثيرًا من أصول مصطلح الحديث التي استقى منها أهل هذا الشأن مسائل عديدة وجعلوها أنواعًا في مصنفاتهم.
ومن ذلك، أنهم يستدلون لصحة تحمل الكافر للحديث حال كفره وأدائه بعد إسلامه (١) بحديث مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ: يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ، وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا وَقَرَ الإِيمَانُ فِي قَلْبِي". (٢)
واستدلوا على جواز تعديل الرواة بقوله ﷺ: "إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ" (٣)، وفي جرحهم بقوله ﵊: "بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ". (٤)
وقد يرد عن رسول الله ﷺ حديثٌ يدخل في عدة أبواب في علم المصطلح، كما استدل بعضهم على ضبط الحديث وحفظه (٥) بقول رسول الله ﷺ: " نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ". (٦)
واستُدل به أيضًا على قبول خبر الواحد (٧)، وعلى عدم جواز الرواية بالمعنى (٨).
فكان الصحابة ﵃ بسليقتهم العربية وسلامة فطرتهم ولزومهم النبيَّ ﷺ، يفهمون هذه الأمور من الكتاب والسنة من غير الحاجة إلى تدوينها بقواعد، فانعكس ذلك على طريقتهم في تلقي الروايات عن النبي ﷺ في حياته وبعد وفاته.
_________
(١) انظر: تدريب الراوي ١/ ٤١٣
(٢) أخرجه البخاري في كتاب: المغازي، باب: (من غير ترجمة)، حديث: ٤٠٢٣، وأخرجه مسلم في كتاب: الصلاة، باب القراءة في الصبح، حديث: ١٠٣٥.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب: فضائل أصحاب النبي ﷺ، باب: مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب ﵄، حديث: ٣٧٤٠، وأخرجه مسلم في كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل عبد الله بن عمر، حديث: ٦٣٦٩.
(٤) أخرجه البخاري في كتاب: الأدب، باب: لم يكن النبي ﷺ فاحشا ولا متفحشا، حديث: ٦٠٣٢، وأخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب، باب: مداراة من يتقى فحشه، حديث: ٦٥٩٦.
(٥) انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير، لمحمد عبد الرؤوف المناوي (ت ١٠٣١ هـ)، تحقيق: أحمد عبد السلام، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الرابعة ٢٠٠٩ (٦/ ٣٧٠)
(٦) سبق تخريجه.
(٧) انظر: تدريب الراوي ١/ ٧٤
(٨) انظر: فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، لأبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت ٩٠٢ هـ)، تحقيق: عبد الكريم بن عبد الله الخضير - محمد بن عبد الله آل فهيد، الرياض، دار المنهاج، الطبعة الثانية ١٤٣٢ (٣/ ١٢٤)
1 / 10