سرعان ما اكتشفت السيدة كروس أن جاك يفقد اهتمامه بلعبة الورق، وأنه لا جدوى من محاولة حمله على اللعب؛ فقد كانت غايته الحوار. لكن محاولته تبادل أطراف الحديث كانت تفضي إلى البكاء والنحيب.
قالت له: «البكاء لا يزعجني. فهو ليس بالأمر الغريب علي. لكن لن ينفعك أبدا أن يصفك الآخرون بالطفل البكاء، خاصة في ظل هذا الحشد من الناس.»
بدأت تطرح عليه أسئلة يمكنه الإجابة عنها إما بالإيجاب أو النفي؛ مما أسعده وأتاح لها فرصة اختبار صحة معلوماتها.
نعم، كان يعمل في صحيفة. لا، لم يكن متزوجا. لا، لم تكن الصحيفة في سدبري. وأخذت السيدة كروس تسرد أسماء كل المدن التي تخطر على بالها، لكنها عجزت عن الوصول للمدينة الصحيحة، فصار عصبيا وحاول أن يتكلم، وهذه المرة شارفت المقاطع أن تكون كلمة، لكنها لم تستطع أن تستشفها. ألقت باللوم على نفسها لأنها لا تلم بأسماء الكثير من الأماكن. وبعدها، إذ راودتها الفكرة، طلبت منه ألا يبارح مكانه وألا يتحرك قيد أنملة، فسترجع إليه، ثم انطلقت بكرسيها المتحرك إلى الردهة ومنها إلى المكتبة. وهنالك بحثت عن كتاب يحوي خرائط. تأففت عندما نما إلى علمها أنه لا يوجد كتاب كهذا؛ لم تجد سوى قصص رومانسية وكتب دينية. لكنها لم تيأس؛ فانطلقت عبر الردهة إلى غرفة السيدة كيد؛ فمنذ أن تراجعت وتيرة ممارستهما للعبة الورق (ما زالتا تلعبان بعض الأيام، ولكن ليس كل يوم)، اعتادت السيدة كيد على تمضية فترات بعد الظهيرة في غرفتها. ووقت أن ذهبت إليها السيدة كروس، كانت في غرفتها مستلقية على سريرها، في مبذل أرجواني اللون أنيق ذي رقبة عالية مطرزة. وكانت تشعر بصداع.
سألتها السيدة كروس: «هل لديك كتاب كتلك الكتب التي تتناول الجغرافيا؟ كتاب يحتوي على خرائط.» وشرحت لها أنها تريده من أجل جاك.
سألتها السيدة كيد: «تعنين أطلس. أعتقد أن لدي واحدا. لا يمكنني أن أتذكر مكانه. يمكنك البحث في الرف السفلي. لا أتذكر الكتب الموجودة في هذا الرف.»
صفت السيدة كروس كرسيها المتحرك إلى جوار مكتبة السيدة كيد، وشرعت ترفع الكتب الثقيلة على حجرها الواحد تلو الآخر، وتطالع عناوينها عن كثب. كانت تلهث من فرط السرعة التي تحركت بها بكرسيها.
قالت السيدة كيد: «إنك تنهكين نفسك. وإن لم تجدي ما تبحثين عنه، فستشعرين بالانزعاج وسينزعج بسببك. وما الهدف من كل ذلك؟» «إنني لست منزعجة. إنهم يرتكبون جريمة بإيداعه هنا.» «جريمة؟» «رجل ذكي كهذا، ماذا يفعل هنا؟ كان ينبغي أن يودعوه في أحد تلك الأماكن التي يعلمون فيها النزلاء أشياء كاستعادة القدرة على الكلام. ما اسم هذه الأماكن؟ أنت تعرفينها. لماذا أنزلوه هنا وحسب؟ أود أن أمد له يد العون، ولا أعرف كيف. حسنا، علي أن أحاول وحسب. إذا كان فتى من فتياني يعاني مما يعانيه في مكان لا يعرفه فيه أحد، فأملي الوحيد أن تهتم به امرأة ما اهتمامي بهذا الرجل.»
قالت السيدة كيد: «إعادة التأهيل. السبب الذي دعاهم لإيداعه في هذا المكان هو أن السكتة الدماغية على الأرجح كانت أقوى من أن يساعدوه بأي شيء.»
قالت السيدة كروس متجاهلة الرد على تفسير صديقتها: «كل شيء متاح سوى كتاب خرائط. سيحسب أنني لن أرجع.» ساقت كرسيها المتحرك من غرفة السيدة كيد دون كلمة شكر أو تحية وداع. كانت تخشى أن يحسب جاك أنها لم تكن تنوي العودة، وأن قصدها مما فعلت هو التخلص منه وحسب. وكما توقعت كان قد اختفى عندما عادت إلى غرفة الترفيه. لم تعرف كيف تتصرف. كانت على وشك البكاء. فلم تكن تعرف مكان غرفته. جال في خاطرها أن تذهب إلى مكتب الاستعلامات وتستفسر. لكن المسئولات عنه كن يتكاسلن عن العمل، وفور أن تشير عقارب الساعة إلى الرابعة، كن يرتدين معاطفهن ويرجعن إلى بيوتهن، ولا يكترثن بشيء. تحركت بكرسيها باتجاه الممر ببطء وهي تتساءل كيف تتصرف، وإذا بعينيها تقعان على جاك في ممر جانبي مسدود. «ها أنت ذا! الحمد لله! لم أكن أعرف أين أبحث عنك. هل ظننت أنني لن أرجع مرة أخرى؟ سأخبرك بما ذهبت للبحث عنه. كنت سأفاجئك. ذهبت بحثا عن أحد تلك الكتب التي تحوي خرائط - ماذا تسمونها؟ - كي تستطيع أن تشير إلى المكان الذي كنت تعيش فيه. أطلس!»
Página desconocida