حسنا، ذات يوم صنعت كعكة بشعة، وتظاهرت بأنني أصنعها لأجل ليزلي، ولكن لحظة أن انتهيت من صنعها، أدركت أنني أصنعها لنفسي، كنت سأتناولها كلها في نهاية المطاف، وذهبت لكي ألقي بها في سلة القمامة، لكنني كنت أعلم أنني سأعود لأستخرجها مرة أخرى. أليس ذلك مقززا؟ ولذلك، فقد وضعت الكعكة كلها في كيس ورقي بني، وانطلقت إلى الحافة الصخرية للشاطئ، وأطحت بها في البحر. لكن هذا الشاب رآني، فرمقني بنظرة ذات مغزى، فعلمت ما كان يدور بخلده. ما أول فكرة تخطر على البال بطبيعة الحال عندما ترى فتاة تلقي بكيس من الورق البني اللون في البحر؟ اضطررت أن أقول له إنها مجرد كعكة. قلت إنني أخطأت في مكوناتها، وشعرت بالخزي لأنني أفسدتها هكذا. وبعد ربع ساعة من الحوار معه، وجدت نفسي أصرح له بالحقيقة التي لم أتخيل أنني سأفصح بها لأحد قط. قال لي إنه طالب علم نفس بجامعة كولومبيا البريطانية، لكنه تخلف عن الحضور لأنهم مؤمنون بالمدرسة السلوكية هناك. ولم أكن أعلم، لم أكن أعلم من هم أنصار المدرسة السلوكية.»
أضافت جولي باستسلام وتعجب: «وبعدها صار صديقي. لمدة ستة أسابيع تقريبا. طلب إلي أن أقرأ ليونج. وكان هذا الشاب شعره أجعد جدا يميل لونه للون جلد الفئران. وكنا نستلقي وراء الصخور ونتعانق بشدة. وكانت تلك الفترة توافق شهر فبراير أو مارس، ولم يزل الجو باردا. لم يكن يستطيع مقابلتي سوى يوم واحد في الأسبوع، وكان اليوم نفسه كل مرة. لم تتطور علاقتنا كثيرا. ذروتها، حسنا، ذروتها كانت عندما اكتشفت أنه نزيل في مستشفى للأمراض العقلية، وأن هذا هو اليوم الذي يخرج فيه للتنزه. لا أعرف ما إذا كنت قد اكتشفت هذه الحقيقة أولا، أم الندوب التي شوهت رقبته هي التي جعلتني أكتشفها. هل قلت إنه كان بلحية؟ كانت اللحية شيئا غير تقليدي بالمرة آنذاك. وكان ليزلي يمقتها. لكنه هو نفسه له لحية الآن. لقد حاول أن يقطع رقبته. لا أعني ليزلي، بل ذلك الشاب.»
قلت متأثرة: «أوه يا جولي!» مع أنني سمعت هذه القصة من قبل. إن ذكر الانتحار يشبه في نظري تلك الأحشاء التي تندفع من جرح في جسد الإنسان؛ يتعين عليك أن تعيدها إلى مكانها وتضع بعض الضمادات على الجرح بسرعة.
قالت: «لم تكن التجربة سيئة لهذه الدرجة؛ فقد كان يتعافى. وأنا متأكدة أنه تعافى. كان فتى متدفق المشاعر يعاني من أزمة ما. لكنني كنت مرتعبة جدا لأنني أحسست أنني لست ببعيدة عن الجنون أنا أيضا، خاصة في ظل شراهتي وتقيؤ الطعام وما إلى ذلك. وفي الوقت نفسه، اعترف لي بأنه في السابعة عشرة من عمره وحسب. كان قد خدعني بشأن عمره الحقيقي. وكانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير؛ فكرة أنني أتسكع مع صبي أصغر مني بثلاث سنوات. انتابني شعور بالخزي. خدعته أنا أيضا إذ قلت له إنني متفهمة وإن مسألة العمر لا تهمني، وإنني سألتقي به الأسبوع التالي. وعدت إلى البيت وقلت لليزلي إنني لم أعد أقوى على العيش في شقة في الطابق السفلي، وإننا يجب أن ننتقل إلى بيت آخر. وأجهشت بالبكاء. بعدها عثرت لنا على مكان على الشاطئ الشمالي في غضون أسبوع. لم أكن لأذهب إلى شاطئ كيتس بيتش أبدا. فعندما كان أبنائي صغارا، وكنا نصحبهم إلى الشاطئ، كنت أصر دوما على الذهاب إلى شواطئ سبانيش بانكس أو شاطئ أمبلسايد. ترى ماذا حل به؟»
قلت: «لعله بخير؛ لعله أمسى عالما نفسانيا مشهورا يمشي على خطى يونج.»
قال دوجلاس: «أو عالما نفسانيا مشهورا متبعا للمدرسة السلوكية، أو معلقا رياضيا. ولكن لا يبدو عليك الآن أنك تناولت كميات مبالغا فيها من فطائر الكريمة.»
قالت: «لقد تغلبت على شراهتي. أعتقد عندما حبلت. الحياة عجيبة جدا.»
صب دوجلاس بقية النبيذ بأسلوب رسمي.
قال لجولي: «قلت مرتين، هلا تخبريننا بالمرة الثانية؟»
جال في خاطري أن الأمور تسير على ما يرام؛ فهو لم ينفر منها، ولم يتسلل إليه الشعور بالسأم، بل راقت له. كنت أراقب ردود أفعاله وهي تتكلم، وأتعجب: ما السبب وراء هذا الشعور بالتوتر كلما عرفنا رجلا بصديقة لنا؟ لم هذا التوتر حيال ما إذا كان الرجل سيشعر بالضجر أو التأفف منها؟
Página desconocida